كتب وتحدث الكثيرون عن خطورة اللعب بالورقة الدينية لضرب مكونات المجتمع بعضه ببعض، محذرين من مغبة التمادي فيها، وشاركتهم في ذلك التحذير الخطابات الرسمية وأدبيات وشعارات الدولة النظرية، ومكمن الخطورة البالغة انها تعدت مرحلة الإعداد والتحضير إلى مرحلة التنفيذ على أرض الإقليم والمنطقة من حولنا، وحرائقها تلتهم أمن واستقرار بعض دولها، والحمد لله الذي أبعد نيرانها عنا، وإن لم نعمل للنجاة من دخانها الخانق والذي ـ كما يبدو ـ قد استمرأه البعض حتى بدأ يستفرغه سما زعافا وحتى الآن لم نر على أرض واقع وطننا جهودا حقيقية وجادة لاستئصال الأسباب والظروف التي شجعت ـ ولا تزال ـ على وجود البيئة المهيأة للاشتعال ـ لا سمح الله تعالى ـ الذي بفضله ثم بحكمة القيادة السياسية ولطف ووداعة جل شعبنا المسالم المحب للخير لاتزال تنقذنا من هذا المهلك الوضيع. في كل يوم يطالعنا مقال أو إعلان أو حديث أو بروشور توزيع أو ملصق أو كتاب...إلخ وغيرها من أدوات الاشتعال الديني الطائفي، فمن المسؤول عن هذا الغي، هل هي مسؤولية وزارة الإعلام؟ مجلس الأمة؟ الصحافة؟ المطابع؟ حتى مؤسسات الدولة الرسمية المعنية تلطخت بالملصقات الاستفزازية وذات المعاني الموغلة في الاتهامات الدينية الباطلة، انظر إلى كبائن المغادرة والوصول في المنافذ الحدودية التابعة لوزارة الداخلية، إلى داخل مصاعد المستشفيات وقاعات الانتظار فيها حتى المؤسسات الخاصة والأسواق المركزية التي يتبضع منها الناس حاجاتهم اليومية وكأنهم يرغمون في كل ساعة على العيش وسط هذا الاستفزاز الديني.. تطوعت وزارة الداخلية مشكورة بمعاقبة السيارات التي تحمل مثل هذه الشعارات الدينية، ولكن هل الناس فقط في السيارات؟ كلنا نقر بأنها مسؤولية الجميع مؤسسات وأفرادا، ولكن الجدية غائبة للأسف الشديد والمسؤولون المباشرون عن هذا الأمن الشامل بما فيه الأمن الاجتماعي، ينامون غافلين حتى إذا وقع الفأس بالرأس ـ لا سمح الله ـ صحوا.. ولات حين مناص. أعجبتني كثيرا جهود مباركة حثيثة يقوم بها علماء دين في المملكة العربية السعودية لتكريس أجواء التعايش الوطني وصيانتها ضد الفرقة والصراع الطائفي المقيت، ومن ذلك ما نظمه قبل أيام مركز الفقاهة للدراسات والبحوث الفقهية بمدينة القطيف السعودية لمؤتمر تحت شعار «فقه التعايش في الشريعة الإسلامية» شاركت فيه مختلف الشرائح الدينية وبالذات من المدرستين السنية والشيعية وقد خرجوا بتوصيات رائعة تدعو لتأسيس التسامح الديني وإلى حظر نشر أو بث خطاب التخوين والتكفير والتبديع. .ونأمل أن يتم تبني هذه التوصيات هناك، وأن نجد عندنا من يتبنى مثل هذه الانشطة الوطنية لاسيما ونحن في ركب الديموقراطية، وأن نجد من يترجم هذا الهاجس إلى ممارسات فعلية يأمن الناس من خلالها على وطنهم الواحد ضد هذا الغول المحدق علينا بأخطاره.
[email protected]