بقلم: عبدالحيمد جاسم البلالي
عندما تعجب الكثير من انحاء العالم من الهروب العجيب للجيش العراقي من الكويت في مدة لم تتجاوز السبعة اشهر ورجوع الكويت حرة أبية في هذه الفترة الوجيزة من عمر الزمان، ما كانوا يدركون الأسباب الربانية وراء ذلك، وربطوا الأمر بما يظهر لهم من تجمع دول الحلفاء، وتدميرهم للجيش العراقي المعتدي، بينما أسقطوا من حساباتهم تلك الاسباب الربانية التي على رأسها وجود رجال ونساء من هذه الأرض الطيبة، كانوا ينفقون على الفقراء والمساكين إنفاق من لا يخشى الفقر، بنوا المساجد وملاجئ الأيتام، والمدارس والمستشفيات في انحاء العالم، بل بنوا قرى كاملة لليتامى في أفريقيا وباكستان، واليمن، وغيرها من دول العالم، مما جعل جماهير الفقراء والأيتام يخرجون بتظاهرات لنصرة الكويت، ويدعون الله بعودتها حرة لتقود مسيرة الخير في العالم من جديد، وكان من ابرز هؤلاء العمالقة للعمل الخيري السيدة الفاضلة غنيمة المرزوق، أم المساكين، ورائدة العمل الخيري، ورائدة الصحافة الأسرية، وسليلة أسرة الإنفاق والإحسان، ومؤسسة المشاريع الخيرية في الكويت ودول العالم، ألقاب لا تنتهي لهذه المرأة العظيمة التي كانت بمثابة النهر الجاري للإنفاق على الخير.
كأنها جاءت من كوكب ليس كوكبنا، ومن جيل ليس جيلنا، كأنها جاءت من ذلك الجيل الذهبي من الرعيل الأول لتعيش بيننا، وتنعش ذاكرتنا بصفاتهم، وتحيي ما اندرس من صفات الصحابة والتابعين، ذلك الجيل الذي أعطى أكثر مما أخذ أعطى وقته وجهده وماله ونفسه لله تعالى، طالبا رضاه والجنة.
كم من المحسنين والمحسنات التقيت في حياتي، ولكن لم أجد في حياتي حتى الآن مثل العم عبدالله العلي المطوع وغنيمة المرزوق رحمهما الله، وكما كان العم المطوع لا يعرف كلمة «لا» لمن يطلب منه حاجة، ولم يرد سائلا في حياته، كذلك كانت أمنا أم العمل الخيري غنيمة المرزوق، محت تماما من قاموسها كلمة «لا» لمن يطلب منها حاجة، سواء لنفسه او لعمل خيري داخل الكويت وخارجها.
ويشهد الله انني ما طلبتها يوما فترددت، بل كانت مبسوطة اليد على الدوام، أموالها في يدها لا في قلبها، هكذا كان زوجها فجحان هلال المطيري رحمه الله، ابن ذلك المحسن الكبير في تاريخ الكويت هلال المطيري رحمة الله عليه، أسرة بعضها من بعض، أسرة درجت على فعل الخير، ودعم الخير، وبناء الخير.
أمي الغالية، الحبيبة غنيمة، لم يفجع بوفاتك أبناؤك وبناتك فحسب، بل فجعنا جميعا بهذه الوفاة، فأنت أمنا جميعا وكلنا أيتام بعد وفاتك يا أماه.
كل المحسنين والمحسنات كنت ومازلت أتحرج كثيرا عند سؤالهم لدعم بعض المشاريع الخيرية، إلا اثنين العم عبدالله المطوع، وغنيمة المرزوق رحمهما الله، فكنت كلما احتجت لدعم اتصلت بها مباشرة، ولا أرى عندها سوى القبول والحماس لهذا المشروع، ومنذ أن أسست جمعية بشائر الخير، وهي تساهم برواتب الموظفين، وتدعم الكثير من مشاريعنا، لقد كنت اتعامل معها كوالدتي، وليس كإحدى المحسنات، كنت أتصل بها بين فترة وأخرى لأدخل على نفسها السرور، وأدعو لها ولأبنائها بالخير، وهكذا كانت تعاملني، وتعامل التائبين في جمعية بشائر الخير، فكم من المرات ترسل إلينا غداء وعشاء للتائبين.
أمي الغالية غنيمة (أم هلال) كم كتبت بقلمك عني شخصيا، وعن جمعية بشائر الخير، وعن العمل الخيري، وعن الشأن الكويتي، منذ الستينيات حتى سكن هذا القلم في 16/3/2013م، فآن لنا نحن الآن أن نكتب قليلا مما تستحقين يا أم المساكين.
هنيئا لك يا أم هلال، فالكثير يغادرون هذه الحياة ولا يذكرهم أحد، بل يفرحون لموتهم، لما قاموا به أثناء رحلة الحياة من جرائم وأذى للآخرين، وأنت اليوم يحزن الجميع لفراكك، ويتبارى الجميع بذكر خصالك، وصفاتك، وعطائك، وإنسانيتك، حقا لقد حزنا لفراقك، ولكن عزاءنا ما نسمع من ثناء، ودعاء من القاصي والداني، هكذا هو الإنسان، عندما يعمل لنفسه يموت لنفسه ولا يذكره أحد، وعندما يعيش للآخرين يذكره الآخرون، ولا يموت أبدا من ذكراهم.
والدتي الغالية.. هنيئا لك شراءك للجنة، وبيعك للدنيا، فكم من الناس يدرك سر هذه البيعة؟
كم من الناس يبيع العاجل بالآجل؟
كم من الناس يبيع المحسوس الملموس بالغائب؟
إنهم أقل من القليل، وأنت منهم.
لقد عرض عليك الرحمن مشروع بيع النفس والمال مقابل الجنة فوافقت (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) التوبة: 111، فحبب إليك الإنفاق، وزينه في قلبك، ونسأل الله أن يجعلك في أعلى الجنان في الفردوس الأعلى، وإن فرقتنا الدنيا، فأسأل الله ان ألتقيك هناك عند مليك مقتدر على سرر متقابلين. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا لفراقك يا أم هلال لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإنا إليه راجعون.
[email protected]