كنت مع صديق في احدى الديوانيات، وطابع هذه الديوانية ان روادها من جيل الشباب، جيل يحمل في قلبه الكثير من الطموحات، وعندما تجالس مثل هؤلاء فإنك تشعر بالفخر والحزن في الوقت نفسه، فشعورك بالفخر لأن هؤلاء الشباب فيهم حيوية، فيهم تطلع، فيهم رغبة للتقدم بخطوات عملية، فيهم نزعة للخير كامنة، اما الحزن فلأنك ترصد بين هؤلاء من يعكس لك صورة الشاب غير المبالي! لا يهمه شيء سوى جهاز اللاب توب، والاجهزة الاخرى المشابهة، يجلس معك وعقله في مكان آخر، قلبه معلق بأشياء اخرى غير ما تتكلم به! لا يكاد يجلس بموقعه اكثر من لحظات، خطوة للامام وخطوة للخلف، نظراته مريضة وعقله متجمد، يبحث عن اي وظيفة بلا عمل، المهم الراتب، لا يهمه ما يقال، يهمه ما يطلبه من الوجبات السريعة،والمتميز من هذه الفئة شغل نفسه بناد صحي ويتبعه مصطلح ان صاحبنا «يدق حديد»، ويعني ذلك ان يلعب بالحديد لتقوية وتنمية العضلات، وليتها تنمية صحيحة وسليمة، بل جزء منها هرمونات متخصصة في نفخ هذه العضلات.
المهم في هذه الديوانية أننا بين مجموعتين او قل فريقين، الاول به حيوية وتفاعل والثاني به الخمول والكسل، دار حديثنا حول مقتل الميموني، وبالفعل فوجئنا بأن اغلب هؤلاء لديهم جميع التفاصيل! فهذا عسكري وهذا مباحث والآخر عريف والاخير مهندس، والتأثر على وجوههم لا يكاد يوصف، بعضهم غاضب من ظلم وبعضهم يترحم وبعضهم قلبه مع جهاز الآي فون! دم الميموني، توزع بالتساوي بين هؤلاء، وكل واحد يعرف ما لا يعرفه غيره، لكنهم اجتمعوا على ان الميموني مات مظلوما ولم يمت ظالما، وكم شعروا بالراحة والطمأنينة حينما تم القبض على اولئك النفر سامحهم الله، وان هناك محاكمة عادلة، وتمنوا على ولاة الامر ان يشددوا العقوبة اذا ثبتت الادانة، ولنا بعد هذه الجلسة رسائل سريعة خاطفة:
الرسالة الاولى: لمن يهمه الامر ان يزرع في رجال الامن حب الله وتقواه وان تكون مخافة الله امام اعينهم، فمن كان الله رقيبه فتوقع منه كل خير ونفع لنفسه اولا ثم لاهله ثم لمجتمعه.
الرسالة الثانية: على مؤسسات المجتمع المدني كل حسب اختصاصه بث التفاؤل في نفوس الابناء وحثهم على العمل الجاد وان تكون الطموحات كبيرة لحجم التحديات القادمة على مجتمعاتنا العربية.
الرسالة الثالثة: التأكيد على حفظ الاسرار، فكما قالوا «ليس كل ما يعرف يقال»، فعلى مجالسنا وديوانياتنا التأكيد على القيم الاصيلة وليس نظام الغيبة والنميمة والتقول على الناس «أيحب احدكم ان يأكل لحم اخيه ميتا».
واخيرا: زمان ابنائنا غير زماننا، والوعي والمعلومات اصبحت في متناول اليد، فعلينا جميعا فهم هذه الحالة القادمة والتعامل معها بكل شفافية وحزم ووضوح، والله الهادي.