يتقن صانعو القرار في الكويت الكثير من الطرق التي تمكنهم من التلاعب بمشاعر المواطنين أو السيطرة على عقولهم أو الحد من تفكيرهم على أحسن تقدير، ومن أمثلة تلك الطرق ما تتناقله وسائل الإعلام من تصريحات أو اقتراحات مقدمة بغض النظر عن الجهة المقدمة للاقتراح، ونوجز بعض تلك الطرق آخذين في الاعتبار رصد أهم محاولات الهيمنة على العقول وصرف نظر المواطن عن التفكير بعظائم الأمور أو جلها والانشغال بصغائرها، محاولين التوصل لتلك التركيبة العجيبة التي يمتلكها بعض الساسة والتي تمكنهم من الوصول لاقتحام الدماغ البشري وشل تفكيره.
فنجد هناك مشاكل مفتعلة عمدا من جهات يهمها إلهاء العامة لتسهيل حركة الخاصة بعيدا عن الأضواء، ما ولّد لدى الكثيرين قناعة بأن الأولويات اليوم هي ما يدعيه هؤلاء، وكأن البلد ليس في أمس الحاجة للتعاضد والتلاحم وبداية عصر من الشفافية بين السلطات والشعب المغلوب على أمره أملا في تحقيق التنمية، نجد في كل يوم مقترحات متفرقة هنا وهناك لا توائم ولا تناسب المرحلية الحالية ولا المستقبلية.
ومن أمثلة المشاكل المفتعلة مشكلة الكهرباء وشبح انقطاع التيار الكهربائي تلك المشكلة الأزلية والتي لا يوجد ما يلوح في الأفق مبشرا بحلها حلا جذريا واجتثاثها عن بكرة أبيها، ومشكلة الجناسي وازدواجيتها والتجنيس والإجراءات المتخذة ضد من يثبت عليه ازدواجية جنسيته، ومشكلة القروض وما أدراك ما القروض، مشكلة الصحة والمرافق الصحية، ومشكلة الرياضة.. الخ، تلك هي بعض أمثلة المشاكل التي ما ان تثار إلا ونسمع خبرا عن صفقة بمئات الملايين على أثرها حتى أخذت أكبر من حجمها بكثير و«لوعت جبد» المواطن المسكين، كما وفرت الحجة للحكومة المتقاعسة بأن إثارة تلك المشاكل يترتب عليها محاسبة من قبل مجلس الأمة فتتحفنا بتصريحها الذهبي أن تلك المحاسبات والتي غالبا ما تتمثل في استجوابات تعرقل مسيرة التنمية، وكلنا يعلم علم اليقين أن هذا الكلام مأكول خيره، لأن كل تلك المشاكل التي كبروها وضخموها تحل بشخطة قلم أو على أقل تقدير تحل في صمت.
ننتقل إلى التصريحات وهي الأداة الأكثر فاعلية هذه الأيام لشل التفكير البشري وبالأخص الكويتي وللعلم تعتبر التصريحات دون جدوى ما دامت لا تصيب الشريحة الكبرى من المواطنين في القلب، فلابد من توافر مهارة عالية لصاحبها تمكنه من معرفة الوقت اللازم لإطلاقها لتحقيق الانقسام والتذبذب في الشارع ويخلي الجماعة «يتدودهون». لكم بعض أمثلتها.
نطالب بزيادة القرض الإسكاني.. منح كل رب أسره عشرة آلاف أجدى من حل القروض.. كثرة الاستجوابات عطلت التنمية.. اقتراح منح كل مواطن 5000 دينار يسير بنجاح. وأنا شخصيا تألمت عندما تجاوزت التصريحات حد دغدغة مشاعر المواطن وأصبحت أداة لتهيج الشارع سعيا في الحصول على أكبر تأييد ممكن، بل أصبحت بعض التصريحات أو الاقتراحات للأسف أشبه ما تكون بمشرط الجراح الذي يمكنه من إغارة الجروح بنعومة وسلاسة، والأغرب من ذلك أن تأتي مثل تلك التصريحات من أشخاص يفترض فيهم المسؤولية فتصريح بأن مطالب الشيعة لم تتحقق إلى الآن بسبب التمييز ما المقصود به؟ اترك التقدير للقارئ الكريم. وكذلك الاقتراح (العوي) بتجنيس زوج الكويتية بعد شروط تعسفية ما المقصود به في وقت كهذا أكثر من السيطرة على عقول وحشد تأييد الشارع النسائي كونه اقتراحا تشوبه الكثير من الثغرات ويثير الكثير من الشبهات، ألم يكن الأجدر بحثه جيدا قبل دغدغة المشاعر من خلاله؟ أليس من المفترض دراسة بدائل قانون الجنسية الحالي لجعله قانونا محكما بدلا من «التبربس» في عملية التجنيس؟ وفتح ابواب ليس من الاجدر ولا من الحكمة فتحها أبدا.
[email protected]