لم اكن اتوقع انها ستتركنا على وجه السرعة كسرعة انجازها للعمل الموكل اليها، لكن هذه ارادة رب العالمين التي لا مفر منها.
تركتنا العروس ـ هكذا كان يحلو لعمها عندما يخاطبها ـ في لقاء عفوي او عائلي، تركتنا الشيخة هدى بدر المحمد وهي في ريعان شبابها وعطائها وتخطو اولى خطواتها كقيادية في الادارة الحكومية، لكن الاجل المحتوم لم يتح لها الفرصة لتكمل الرسالة التي اناطها بها المرسوم الاميري مديرا عاما لمكتب الانماء الاجتماعي بدرجة وكيل وزارة مساعد، وتترجم ثقة صاحب السمو الامير الى واقع عملي يبرز مكتب الانماء الاجتماعي كمؤسسة علمية وفكرية رائدة في المجتمع.
الشيخة هدى الصباح، عاصرت مكتب الانماء الاجتماعي منذ انشائه عام 1992، ونمت عمرا وكفاءة علمية وادارية بنمو هذا المكتب، وتشربت العمل الاجتماعي والانساني حتى بات جزءا اساسيا من شخصيتها في التعامل مع الآخرين.
كانت حازمة في العمل الاداري لكنها كانت صادقة وعادلة وشفافة في التعامل مع الرأي الآخر مهما كان قاسيا ومتجنيا وكانت تقدم نفسها ـ على الدوام ـ مثالا كقيادي يحتذى في العمل الاداري، فعلى الرغم من منصبها الكبير لم تتردد يوما في تطبيق «البصمة» عند الحضور والانصراف، كما لم تتردد في ان تواصل العمل حتى الساعة الخامسة مساء، وهو امر قلما يمارسه القيادي في الادارة الحكومية.
كلنا يعرف الفجوة التي تفصل بين مؤسسات المجتمع المدني والادارة الحكومية، وكلنا ايضا يدرك المحاولات التي تقوم بها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل للالتقاء مع هذه المؤسسات في برامج وشراكة حكومية - اهلية، لكن دون ان تثمر هذه الجهود واقعا يؤكد هذه الحقيقة، في الوقت الذي تمكنت فيه الشيخة هدى الصباح ان تضع بصمات بارزة تعد من معالم هذه الشراكة عبر ندوات سياسية واخرى توعوية تقنن في مواسم ثقافية وتتناول قضايا مجتمعية وانسانية مهمة، ورغم المشاكل التي كانت تعتري العلاقات بين السلطتين، فإنها كانت تصر في كل ندوة على ان يكون بين المحاضرين نائب سواء كان مواليا او معارضا من اجل الدفاع عن المؤسسة الدستورية امام اي نقد يوجه لها من قبل جمهور الحضور او المحاضرين.
فإلى جنات الخلد يا من نذرت نفسك لخدمة الانسان على ارض الكويت الطيبة، لم تفرقي يوما في التعامل بين كويتي ووافد، ولم تفضلي انسانا على آخر بسبب الجنس او اللون او المذهب او المنبت الاجتماعي، الجميع كانوا امامك كأسنان المشط، فاذا كان سمو رئيس الوزراء يحمل في ذهنه وفكره ووجدانه ـ على الدوام ـ دستور الكويت اينما ذهب، فأنت كنت ترددين على مسامعنا بين حين وآخر ان مضامين المادتين السابعة والتاسعة من دستورنا تتحدث عن العدل والحرية والمساواة والاخلاق وحب الوطن، وهي نهجنا ومرشدنا ونحن نتعامل مع قضايا الانسان في المجتمع الكويتي.
يا رب هذه امانتك ردت اليك.. فأكرمها وأحسن مثواها، واجعلها في ظلك يوم لا ظل الا ظلك.