من منا يمكن أن يصدق أن تقريرا حول خفض سن التقاعد مر على العديد من دور الانعقاد في مجلس الأمة يجري سحبه من قبل بعض النواب الذين عايشوه وعاصروا ولادته في الوقت الذي ينتظره عشرات الآلاف من الموظفين، ومثلهم من طالبي العمل والعاجزين عن إيجاد فرصة لضمان مستوى معيشي جيد.
إن العاقل يفكر مليا قبل اتخاذ أي قرار، ولو أننا نظرنا إلى الدول المتحضرة لوجدنا انهم سبقونا بخطوات كثيرة في هذا المجال، ولو تأملنا جيدا الفوائد التي يمكن ان تتحقق اقتصاديا واجتماعيا واستثماريا وتنمويا للتقاعد المبكر لأقررناه من دون ان يتحرك لنا جفن أو يرمش لنا طرف.
هل يعلم من قام بسحب هذا التقرير من النواب أن التقاعد المبكر في سن الشباب يمكن أي متقاعد من الحصول على فرصة عمل جديدة في قطاع آخر ويفتح المجال أمامه لنقل خبراته للآخرين، إذ ما الفائدة المرجوة من شخص تقاعد بعد الـ 55 من العمر هل سيكون منتجا؟ وما الذي سيقدمه للقطاع الخاص إن أراد العمل فيه، وهل سيتم قبوله وهل سيكون قادرا على الإنتاج؟! لا اعتقد أن ذلك ممكن إطلاقا.
الفرصة أمام الشاب اكثر بكثير من الكبير في السن، كما أن الطاقة الموجودة لديه مختلفة تماما، فلماذا نقوم بتدمير هذه الكفاءات ودفنها في الرمال، إضافة إلى ذلك ألا يؤدي التقاعد المبكر إلى القضاء على البطالة وتعزيز القطاع الحكومي بطاقات شبابية متجددة على الدوام.
لماذا يتم في الدول المتقدمة منح الموظف فرصة التقاعد بعد مرور 20 عاما على توظيفه إن تقدم بطلب ذلك، ألا يفكر أولئك بطريقة صحيحة في حين نفكر نحن بطريقة خاطئة؟
نحن بحاجة إلى شعب منتج، وهذه مسؤولية الدولة، كما من مسؤولياتها توفير فرص العمل المناسبة والمشاركة في البناء والتعمير والتنمية، وهذا لن يتحقق إلا إذا افسحنا المجال أمام الشباب المتقاعد لولوج مجال الاستثمارات والأعمال الحرة.
للأسف لدينا تكدس في موظفي الوزارات من دون تلمس الاحتياجات، فما يراد لا يتعدى توظيف مواطن كويتي فقط، أما ان نفكر في الانتاجية والتنمية فهذا لا يزال بعيدا عن بعض المسؤولين، نحن نواجه مشكلة العجز، ولن يتم القضاء عليها إلا من خلال حل مشكلة البطالة، والتقاعد المبكر هو احد الحلول الناجعة لها.
وإذا كانت المشكلة لدى من قاموا بسحب هذا التقرير تتمثل في زيادة العبء المالي، فأنا أقول إن هذا لن يكون إذا قمنا بمعرفة ان المتقاعد يجري خصم جزء من راتبه، في حين يتم تعيين الموظفين الجدد برواتب أدنى من الموظف المتقاعد وهذا متعارف عليه وينص عليه القانون، ما يعني أننا لن نعاني من مشاكل مالية إطلاقا، وإنما سنعمل على القضاء على البطالة تدريجيا.
دعوني أقولها بكلمات وجيزة، إن الاستثمار البشري كما أثبتت الدراسات الحديثة والتجارب هو افضل أنواع الاستثمار الذي علينا عدم تضييعه، فنحن إن ضيعناه ضيعنا مستقبلنا وقضينا على الإبداع المتجدد في قلوب الشباب، والمدفون لدى الكثير من كبار السن الذين آثروا الجلوس وعدم العمل بسبب ثقل الحياة عليهم وعدم قدرتهم على تقديم المزيد بعد مرور اكثر من نصف العمر.
من المعيب أن يسحب تقرير تمت دراسته في اكثر من دور انعقاد من نواب مرت عليهم الدراسة في اكثر من لجنة من اللجان المالية، شيء لا يصدق، فعلى أي أساس تتم إعادة الدراسة، ولماذا نلجأ للخارج للدراسة، الا يوجد قانونيون بيننا، أين مؤسسة التأمينات الاجتماعية، الا توجد لجنة مشتركة بين مجلس الأمة ومؤسسة التأمينات حتى نلجأ لشركات في الخارج؟! كفانا استخفافا بعقولنا وتهميشا لخبرائنا فنحن لدينا كل شيء في بلادنا ولسنا بحاجة إلى قرار من الخارج.
انتهى وقت الصمت وبدأ وقت الكلام، نطالب النواب بوقفة جادة من دون أي تكسب انتخابي، وأقول لمن سحبوا التقرير إننا لا نضع اللوم عليكم، ولكن اعلموا ان المواجهة ستكون في صناديق الاقتراع إن لم تغيروا آراءكم.
[email protected]
AbdulmuhsenHaji@