يحكى انه في قديم الزمان كان هناك شاب تقي يطلب العلم ومتفرغ له ولكنه كان فقيرا، وفي يوم من الأيام خرج من بيته من شدة الجوع ولأنه لم يجد ما يأكله، فانتهى به الطريق إلى أحد البساتين والتي كانت مملوءة بأشجار التفاح، وكان أحد أغصان شجرة منها متدليا في الطريق، فحدثته نفسه أن يأكل هذه التفاحة ويسد بها رمقه ولا أحد يراه ولن ينقص هذا البستان بسبب تفاحة واحدة، فقطف تفاحة واحدة وجلس يأكلها حتى ذهب جوعه، ولما رجع إلى بيته بدأت نفسه تلومه وهذا هو حال المؤمن دائما.
جلس يفكر ويقول كيف أكلت هذه التفاحة وهي مال لمسلم ولم استأذن منه ولم استسمحه؟ فذهب يبحث عن صاحب البستان حتى وجده فقال له الشاب: يا عم بالأمس بلغ بي الجوع مبلغا عظيما واكلت تفاحة من بستانك من دون علمك وها أنا ذا اليوم استأذنك فيها، فقال له صاحب البستان: والله لا أسامحك بل أنا خصيمك يوم القيامة عند الله، فأخذ الشاب يلح على صاحب البستان أن يغفر له زلته ولكنه لا يبالي، فبدأ الشاب المؤمن يبكي ويتوسل إليه أن يسامحه وقال له أنا مستعد أن اعمل أي شيء بشرط أن تسامحني وتحللني، وبدأ يتوسل إلى صاحب البستان وصاحب البستان لا يزداد إلا إصرارا وذهب وتركه والشاب يلحقه ويتوسل إليه حتى دخل بيته وبقي الشاب عند البيت ينتظر خروجه إلى صلاة العصر، فلما خرج صاحب البستان وجد الشاب لايزال واقفا ودموعه تحدرت على لحيته فزادت وجهه نورا غير نور الطاعة والعلم، فقال الشاب لصاحب البستان: يا عم إنني مستعد للعمل فلاحا في هذا البستان من دون اجر باقي عمري أو أي أمر تريد ولكن بشرط أن تسامحني عندها، اطرق صاحب البستان يفكر ثم قال: يا بني إنني مستعد أن أسامحك الآن لكن بشرط، سُرّ الشاب وتهلل وجهه بالفرح وقال: اشترط ما بدا لك يا عم، فقال صاحب البستان: شرطي هو أن تتزوج ابنتي، صدم الشاب من هذا الجواب وذهل ولم يستوعب بعد هذا الشرط، ثم اكمل صاحب البستان قوله: ولكن يا بني اعلم أن ابنتي عمياء وصماء وبكماء وأيضا مقعدة لا تمشي، ومنذ زمن بعيد وأنا ابحث لها عن زوج استأمنه عليها ويقبل بها بجميع مواصفاتها التي ذكرتها، فإن وافقت عليها سامحتك والا فأنا خصمك عند الله يوم القيامة، صدم الشاب مرة أخرى بهذه المصيبة الثانية وبدأ يفكر كيف يعيش مع هذه العلة خصوصا انه مازال في مقتبل العمر؟
وكيف تقوم بشؤونه وترعى بيته وتهتم به وهي بهذه العاهات؟ ولكنه حزم أمره وبت فيه وقال: أصبر عليها في الدنيا ولكن أنجو من ورطة التفاحة يوم القيامة، ثم توجه إلى صاحب البستان وقال له: يا عم لقد قبلت ابنتك وأسال الله أن يجازيني على نيتي وان يعوضني خيرا مما أصابني، فقال صاحب البستان: حسنا يا بني موعدك الخميس المقبل عندي في البيت لوليمة زواجك وأنا أتكفل لك بمهرها.
فلما كان يوم الخميس جاء هذا الشاب متثاقل الخطى، حزين الفؤاد، منكسر الخاطر، ليس كأي زوج ذاهب إلى يوم عرسه فلما طرق الباب فتح له أبوها وادخله البيت، وبعد أن تجاذبا أطراف الحديث قال له: يا بني، تفضل بالدخول على زوجتك وبارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما في خير، وأخذه بيده وذهب به إلى الغرفة التي تجلس فيها ابنته، فلما فتح الباب ورآها، فإذا بها فتاة بيضاء أجمل من القمر، قد انسدل شعرها كالحرير على كتفيها، فقامت ومشت إليه فإذا هي ممشوقة القوام وسلمت عليه فإذا بصوتها عذب جميل، وقالت السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا زوجي، فوقف هذا الشاب في مكانه يتأملها وكأنه أمام حورية من حوريات الجنة نزلت إلى الأرض وهو لا يصدق ما يرى ولا يعلم ما الذي حدث ولماذا قال أبوها ذلك الكلام، ففهمت البنت ما يدور في باله فذهبت إليه وصافحته وقبلت يده وقالت: إنني عمياء عن النظر إلى الحرام وبكماء عن النطق بالحرام وصماء عن الاستماع إلى الحرام ولا تخطو رجلاي خطوة إلى الحرام، وإنني وحيدة أبي ومنذ سنوات وأبي يبحث لي عن زوج صالح، فلما أتيته تستأذنه في تفاحة وتبكي من اجلها قال أبي: إن من يخاف من أكل تفاحة لا تحل له حري به أن يخاف الله في ابنتي، فهنيئا لي بك زوجا وهنيئا لأبي بنسبك، وبعد عام أنجبت هذا الفتاة من هذا الشاب غلاما كان من القلائل الذين مروا على هذه الأمة، غلاما نافذ الذكاء، قوي الحجة، فطنا، غلاما كان له شأن كبير، وبارك الله له في علمه، وثبت رأيه، فكان من الأئمة النادرين الذين حفظ الناس فقههم، واشتهر مذهبه في الارض، أتدرون من ذلك الغلام؟ انه الإمام أبوحنيفة صاحب المذهب الفقهي المشهور. (اسطر من كتاب قصص اعجبتني).
[email protected]
almeshariq8@