على مدى أكثر من عشرين سنة، كانت هناك محاولات لإصدار قانون الخصخصة وجميع المحاولات في مجالس الأمة السابقة كانت تصطدم بمعارضة قوية، لأن المعارضين في المجلس كانوا يعتبرون قانون الخصخصة ما هو إلا إيذان بإعطاء القطاع الخاص حق التصرف في المرافق العامة واستغلال أملاك الدولة بصورة كاملة مع انتقال الملكية إليهم، في حين ان الخصخصة تعني عدم إعطاء حق الملكية لأملاك الدولة في الكثير من الدول الرأسمالية بل إعطاء حق الإدارة لهذه المرافق الى القطاع الخاص، وهذا الأمر لا يتعدى ما نسميه b.o.t حيث انه بعد مدة محددة يعود كل شيء الى الدولة لأنها هي التي تملك المال العام والأملاك.
إن سبب رفض القوانين التي عرضت على مجلس الأمة هو مفهوم خاطئ بأن الدولة تبيع ملكية الأصول العامة الى القطاع الخاص لكي يتصرف فيها كيفما يشاء، ومثل هذا المفهوم كان خاطئا لأننا جميعا نرفض أن تحول ملكية المال العام لأي شخص لأننا جميعا نملك هذه الأموال وهذه الأصول، فجميع القوانين التي تدعو الى الخصخصة المقصود بها إدارة واستغلال هذه المرافق العامة مقابل الحصول على مردود على المال العام دون ان نسمح بأن تكون الملكية المطلقة أساس القطاع الخاص، فالأمر إذن دائما هو الاستغلال لهذه الأموال والممتلكات والمرافق وليس التملك الكامل لها، ولدينا نماذج كثيرة كالمرافق الصناعية والمزارع والشاليهات، وغير ذلك من أملاك الدولة التي يستغلها أي فرد حسب عقود إيجار يتفق عليها يتمتع باستغلالها حسب تلك العقود، ولكن تظل الملكية للدولة.
فالأمر إذن يتعلق بإدارة الأموال العامة والمرافق العامة، وأملاك الدولة والخدمات العامة بهدف تحسين أداء هذه الخدمات وفق أسس النظام التجاري الربحي، كما يجوز إدارة هذه الأنشطة من قبل القطاع على أساس غير ربحي، وفي جميع الأحوال يتحول العاملون في هذه المرافق الحكومية الى القطاع الخاص وفق عقود واضحة تعتمد على الأداء والكفاءة بالنسبة للموظف.
فالنقطة الأساسية إذن هي أن يكون التعامل مع الموظفين وفق قواعد محددة، ولا تصبح الوظيفة حقا مكتسبا لا يمكن أن نحرم المواطن منها حتى لو لم يقم بواجبه أو يحقق الأهداف الموضوعة له، هنا بيت القصيد، فكل ضجة نسمعها خاصة من قبل النقابات بسبب عدم السماح بأن تغير الوظيفة العامة من حق مكتسب الى واجب يحدده القانون وفق عقود محددة يحفظ لصاحب العمل حقه ولا يحرم الموظف من حقه مادام يقوم بواجبه ويؤدي عمله بكفاءة.
وبعد صدور القانون وبعد اعتماد خطط التنمية، أين هي القوانين التي تسهل للقطاع الخاص القيام بأداء العمل وفق أسلوب الخسارة والربح، وهذا الأسلوب هو أساس الاقتصاد الحر، ومن دون تطبيق جميع القواعد المنظمة لهذا الاقتصاد تصبح الخصخصة هي أسلوب عمل وليس هدف تمليك الناس لأملاك الدولة أو الاستفادة من المال العام بل هدفه الأساسي تحسين أداء الخدمات، وتطوير المرافق العامة حتى تتحقق التنمية ويكون فيه العقاب والثواب هو الدستور الذي يتقيد به جميع العاملين، وكل ذلك في إطار ما نص عليه الدستور بأن رأس المال عليه مسؤولية اجتماعية، ويجب عدم السماح لرأس المال بالتفريط في هذه المسؤولية.
وعسى أن نعي مسؤولية ما سنقوم به، لأن هذا القانون إذا أردنا أن نطبقه حقيقة، معناه تغيير أنماط حياتنا، والجميع يشارك في خلق الثروة وليس في نهبها، أما أنا شخصيا فلست متفائلا بتحقيق ذلك لأنه على مدى السنوات الماضية جعلنا الإنسان الكويتي طفيلي على الدولة، وتغيير نمط هذا الإنسان في الحياة التي تعود عليها أمر قد يؤدي الى مخاطر كثيرة، وعسى الله أن يحمي الكويت من مثل ردود الأفعال التي قد تحصل، لأن القضية في نظري تغيير جذري لأنماط حياة الإنسان الكويتي.