عبد الرحمن العوضي
فعلا ما شاهدناه على شاشة التلفزيون ولفترة زادت على 6 ساعات كان صورة سيئة عن الممارسة الديموقراطية، حيث أصبحنا نستعمل الأدوات الدستورية بشكل شخصاني، بعيد كل البعد عن كل ما يدعيه البعض من حرص على المصلحة العامة، ومن المؤسف أن نرى ما رأيناه يحدث تحت قبة البرلمان، إذ كان فيه الكثير من التجني والظلم ليس فقط على وزير النفط، بل على كثير من الناس من دون ان تكون لهؤلاء الناس فرص للرد والدفاع عن أنفسهم.
لقد كان أحد محاور الاستجواب - كما ادعوا - الاستفسار من وزير النفط عن تصريح ادلى به للصحافة عن الشيخ علي الخليفة وكان كل احتجاجهم على مثل هذا التصريح أنه يؤثر على مسيرة القضية الخاصة بين شركة ناقلات النفط والشيخ علي الخليفة والتي ينظرها القضاء.
وكان كل هجومهم على وزير النفط أنه تدخل وأثر على سير القضية، وتناسوا ان «الردح» الذي قاموا به على مدى ثلاث ساعات والادعاء علنا على لسان احد المستجوبين بأن هذه الجلسة كانت لمحاكمة الشيخ علي الخليفة في قضية مضت عليها عشرون عاما، ولم يعتبروا ان كل هذا الكلام ليس مؤثرا فقط على سير القضية، بل انه تدخل مباشر واصدار حكم مسبق على الشيخ علي الخليفة.
فالقاعدة المعروفة ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته مهما كانت تهمته وجريمته، مثل هذا اللعب بالكلام والتلاعب بالمصطلحات والبكاء على نزاهة القضاء، يذكرني بقول أحد المحافظين في منطقة من مناطق العراق والتي كثر فيها التلفظ بالسباب على المذاهب، وعند تعيين هذا المحافظ أقسم أنه «من يسب اي مذهب فسيلعن مذهب مذهبه» بهذه العقلية في نظري كان يدور الحوار حول قضية الشيخ علي الخليفة في المحاكم وذلك حفاظا على المحاكم وعلى سير القضية.
اي منطق هذا، واي ضحك على الذقون، واي تطاول على كرامات الناس والذي تجاسر على جميع المفاهيم والقيم التي اتفقنا عليها، واي اعتداء سافر من السلطة التشريعية على القضائية. فهؤلاء لم يكتفوا بالاعتداء الدائم واليومي على السلطة التنفيذية فتجاسروا على السلطة القضائية تحت عذر حمايتها كما كان يحرص ذلك المحافظ على المحافظة على سلامة المذاهب.
وقد تردد كثيرا على لسان البعض المديح المبطن لسمو الرئيس وكأنهم يحاولون التهديد عن طريق المديح بصفته رئيس وزراء اصلاحيا، وأنا على يقين بأن مثل هذه الممارسات لبعض اعضاء مجلس الأمة واعتبار أنفسهم فوق جميع السلطات هي التي ساعدت على وجود مثل هذه الأجواء المسمومة.
فكم كنت أتمنى في مثل هذا الجو المسموم ان يقف سمو الرئيس بكل جرأة ويطلب من رئيس الجلسة ايقاف كل محاولة للخروج عن محور الاستجواب، وخصوصا هذا العرض الرخيص بالصور الخليعة والمناظر المقززة التي استهدفت التشهير والتأثير على سير الاستجواب مع أن الأخ وزير النفط لم يكن له اي دور في أغلب ما طرحوه.
تمنيت لو أن سمو الرئيس وقف وهدد بأن الاستمرار في مثل هذا الأسلوب يضطره الى الانسحاب من الجلسة، لأن من أهم قواعد جلسات الحوار في مجلس الأمة الالتزام بالأخلاق والنظام الداخلي للجلسات وعدم السماح بالتطاول على الأشخاص، بل يجب ان يوضع لهم حد.
وكانت هذه مناسبة تاريخية أمام سمو رئيس مجلس الوزراء بأن يقف محتجا بالرغم من كل الاحتمالات وانسحاب الحكومة من الجلسة حتى يلتزم كل من لديه رأي أو حق بالدستور واللائحة الداخلية والمحافظة على كرامات الناس، لأننا لسنا بصدد الأشخاص، بل يجب ان نناقش الأعمال الخاصة بعمل الوزير دون الرجوع الى الماضي أو الى اجراءات حدثت قبل تولي الوزير وزارته لأن هذا الأمر واضح جدا وضوح الشمس في الدستور الكويتي.
كانت فرصة ذهبية للتمسك بقواعد وسلوك وبنود الدستور واللائحة الداخلية حتى نصحح المسار الديموقراطي ونعود به الى الطريق السليم، كي نستطيع الاستمرار دون هذه الاعتداءات من السلطة التشريعية على السلطتين التنفيذية والقضائية وغيرها.
فأناشد سمو الرئيس ألا يتنازل أبدا في مثل هذه المواقف لكي لا يبدو الامر للنواب المؤيدين للاستجواب بانه ضعف ينتج عنه المزيد من التمادي ضد الحكومة.
احترموا الديموقراطية وحافظوا عليها قبل أن يتبدد أمامنا هذا الصرح الذي بنيناه والذي نفتخر به وحتى نقطع دابر كل من يحاول تشويه مسيرتنا الديموقراطية.
والله من وراء القصد.