هذه الأيام الشغل الشاغل للصحافة والفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة هو قضية تمويل خطة التنمية، فكل وسيلة من وسائل الإعلام تحاول أن تبتدع أو تقترح طرقا مختلفة للتمويل، وكان آخر المتكلمين في هذا المجال بصحافتنا حتى اليوم رئيس غرفة التجارة والصناعة الأخ علي ثنيان الغانم الذي أكد ان القطاع الخاص قادر على تمويل الخطة، وهذا بطبيعة الحال أمر مطمئن إذا كان القطاع الخاص بعد أن بدأنا في تنفيذ خطة التنمية بجد وبمشاركة من هذا القطاع قد ضمن ان المشاركة لن تسبب لهم خسائر وستحافظ على مصالحهم. ولا أتصور أن أي فئة تمويلية مستعدة لأن تضع أموالها واستثماراتها في خطة إذا لم تكن لديها كل الضمانات التي ستعود بالفائدة المرجوة من هذا التمويل.
هذا الأمر بطبيعة الحال مقبول وطبيعي في النظام الرأسمالي الذي يعتمد كل الاعتماد على تنفيذ خططه التنموية من خلال القطاع الخاص، أما في نظامنا الخليط بين الاشتراكية والرأسمالية أو كما سماه البعض نظام «اشتمالي» لا يوجد له مثيل في أي بلد آخر، وحتى الآن لم نسمع في خطة التنمية التي قرأناها إلا عن المشاريع في البنية التحتية والمنشآت والتزام الدولة بمبالغ كبيرة لتنفيذها، ولم يدخل في هذا التصور إمكانية b.o.t لأن قانون b.o.t بحد ذاته غير مشجع ومعالمه غير واضحة ورأينا عدة محاولات فاشلة رغم النجاح الذي حققته في بعض التجارب الميدانية.
ولكن الأهم من كل ذلك لا أعلم لماذا نناقش تمويل الخطة الآن، حيث ان من أوائل المستلزمات الأساسية لكل تخطيط هو وجود المال الذي سيتم تنفيذ البرامج المختلفة من خلاله، وفي جميع خططنا السابقة كنا نعتمد اعتمادا كليا على دخل الدولة وتوزيعه على برامج التنمية المختلفة، ولم يكن اهتمامنا بأي شكل من الأشكال أن يتولى القطاع الخاص تنفيذ الخطة، حيث ان قطاعنا الخاص قد أصبح طفيليا على ما تنفقه الدولة، وقليل من المبادرات الجريئة التي شاهدناها في الكويت، وعند أصحاب رأس المال هو انه ما لم يكن لهم نصيب من برامج تطوير الثروة النفطية واستخراجها وبيعها فلا يمكنهم الالتزام بالاتفاق على أي مشروع من مشاريع التنمية لأنهم يرغبون في ضمانات كافية يمكن صرف جزء منها على خطة التنمية.
عجبت فعلا للأسلوب الذي اتبعناه في إعداد الخطط والبرامج، لأنه من المعروف أن أساس أي خطة هو ضمان مصادر التمويل قبل التفكير في البرامج التنموية، أما أن تقتصر البرامج التنموية على المشاريع الإنشائية فهذه خطة تتضمن خطط البرامج الإنشائية فقط، وكأننا عدنا الى أسلوب تخطيط المشاريع الذي كان يتم في بداية الستينيات من القرن الماضي، ولكن بعد ان اتضح لدينا أن التنمية لا تقتصر على المشاريع التنموية وان أهم عناصر التنمية هو تنمية الإنسان نفسه لأنه بدوره يستطيع ان ينمي جميع عوامل التنمية الأخرى، ومن دون تنمية الإنسان نكون قد فشلنا في العملية التنموية، وعليه فإن خطط التنمية تعتمد على بناء الإنسان الكويتي الذي من أجله نقيم هذه البرامج وهو نفسه يتولى تطوير البرامج وتنميتها، والتخطيط المستقبلي من دون معرفة مصادر تمويلية يعتبر تخطيطا في الغيبيات ولا يمكن أن نتوقع النجاح له ما لم نكن قد ضمنا وسائل تمويل ضامنة لإنجاح الخطة.
هكذا إذن نعيش هذه الأيام في حيص بيص، لأنه قبل وضع خطة التنمية لابد أن يكون هناك حوار مجتمعي كبير نتفق فيه على رؤية مستقبلية مع الأطراف التنفيذية ووسائل التنفيذ وطريقة تحديد الأولويات وإيجاد وسائل التقييم ترافق تنفيذ الخطة حتى نتجنب بصورة مستمرة اي انحراف عن الأهداف الرئيسية التي ارتضيناها في الخطة.
يا ناس كلمة التخطيط هذه تطمئن الناس، ولكن يجب ان تكون رؤانا واضحة وعلينا خلق طريق على أمل أن تحقق الأهداف التي توصلنا الى رؤيا مستقبلية التي اتفقنا عليها، وكان الله في عون الشيخ أحمد الفهد لتحمله هذه المسؤولية، لأنني لم أجد شخصيا فريق العمل الكفء القادر على تنفيذ الخطة ومتابعتها، والله من وراء القصد.