كل من زار «سوق لندن» كان يلاحظ في الزاوية اليمنى رجلا بسيطا يجلس على طاولة صغيرة يحيط به اربعة او خمسة من اصحابه، وكان شعلة المجلس كله، ضحك وقصص عن تجاربه الكثيرة وعن سفراته الطويلة حيث كان يسافر لجلب البضائع لسوقه الكبير، عرفته قبل اكثر من 30 سنة عندما كان في سوقه القديم سوق الخليج، وقبل ذلك مع اخيه في دكان صغير قرب سوق واجف، انتعشت تجارته مع اخيه، احدهما فتح محلات صادق في شارع تونس، اما هو، الاخ الاكبر، ففتح سوق الخليج وبعد ذلك سوق لندن.
ورغم انهما تفرقا وكل منهما اصبح له عمله وتجارته، الا انهما بقيا اخوين متحابين مع انهما كانا يعملان في نفس المجال، كان ابراهيم رحمه الله هو الذي تعلم المهنة وبنى نفسه من لا شيء، وعلم أخاه ايضا، فأصبح الاثنان مثالا لصدق المعاملة وخدمة العملاء، وكانت للمرحوم ابراهيم طموحات كبيرة، وكان فعلا رجلا عصاميا ينظر للبعيد وعنده جرأة التاجر الكويتي المعهودة.
وكان يقول لي دائما ان مثله في حياته كان المرحوم والدي الذي كان في شبابه وفي بداية تجارته يشجعه ويحثه على العمل والمثابرة، ونصيحته الدائمة له كانت مخافة الله في جميع اموره، وكنت استحي لانه يناديني دائما عمي، وكنت أقول له يا أخ ابراهيم انني بمثابة الأخ الاصغر لك ولا يجوز ان تقول لي عمي، وكان يرد علي انني ما زلت اشم فيك رائحة المرحوم الوالد، فهو الذي شجعني وعلمني وجعلني اسير على الطريق الصحيح.
مات ابراهيم ورحلت الابتسامة الدائمة التي كنت تجدها عنده، أذكر أنه رغم تعبه في بعض الاوقات من بعض ما كان يعانيه من الامراض، كان يحرص على ان يكون دائما في خدمة الزبون اسوة بعشرات العمال الذين يخدمونه.
سيظل ابراهيم في ذاكرتي، ذلك الانسان المكافح الذي بنى نفسه وحافظ على السمعة الطيبة، وكان يخشى الله في اعماله، ويتأكد من الحلال والحرام في معاملاته فهو دائما يقدم للعميل احسن البضائع ويرفض اي نوع من الغش او عدم الجودة.
ذهب ابراهيم رحمه الله وبقي آخر ابنائه خليل، بعد ان فقد اثنين ابنائه، وانا على يقين ان خليل سيستمر على نهج ابيه ويحرص على الصدق والامانة وان يحتضن اسرته وتظل علاقته مع عمه طيبة، وادعو الله ان يطرح البركة في تجارتهم وان يوفقهم، راجيا من الله ان يسكن المرحوم ابراهيم فسيح جناته، وان يلهمنا جميعا الصبر والسلوان.