عندما جاءني خبر وفاة أخي وحبيبي العم خالد يوسف المرزوق كان خبرا قاسيا على قلبي ونفسي، وشرعت في كتابة مقالة بسيطة عنه وذكريات الطفولة والصبا لكن مجلس امناء المنظمة الاسلامية للعلوم الطبية اجتمع وقرر أن أكتب مقالة أخرى عن المشروع الخالد في ذاكرة التاريخ «المنظمة الاسلامية للعلوم الطبية ومركز الطب الإسلامي» لأن اللحظة لحظة الانجازات الدنيوية والتي من دون شك رصيد الآخرة... أما عن الذكريات فالوقت متسع في القريب العاجل.
فهذه الكلمات تعبير بسيط عما أكنه شخصيا وعما يكنه الإخوة جميعا في مجلس امناء المنظمة الاسلامية للعلوم الطبية ردا لجميل في أعناقنا.
فقد غيب الموت رجلا من خيرة ابناء الكويت، تميز بالنبل والوفاء والشهامة، كان جوادا كريما على الفقراء قبل الأغنياء، فكان علما بارزا في الاقتصاد والسياسة والإعلام، وتفوق في أعمال الخير بيد ممدودة بسخاء منقطع النظير لأهله في الكويت وخارجها، لم يصله نبأ عن أسرة متعففة أو صاحب حاجة وردهما خاويي الوفاض فلا تعلم يسراه ما تبرعت به يمناه، وإذا أردنا الحديث عن هذه المآثر، فلن تكفينا كتب تكتب، واخبار تدون، وامتلأت الصحف الكويتية على اختلاف مشاربها ببعض من نشاطه الاقتصادي الواسع وافكاره النيرة في مجال البنوك والاقتصاد وتعمير الكويت، كانت له افكار سابقة لعصره لم يبخل بها على الكويت، عاشت الكويت فيه وكلما اعطاها قال هذا قليل على الكويت واهلها، ان الخير الذي منَّ الله به علينا في الكويت والخليج يجب ان يعود لأهلها مصداقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» عرفته في شبابه شابا طموحا، مكافحا محبا للخير وأعمال الخير.
ودارت الأيام دورتها والتقينا كثيرا، كان كما هو في تواضعه وأدبه الجم، ومبادرته بالسؤال عن الصغير قبل الكبير، وزادت تلك المحبة حبا على حب عندما قابلته وطلبت منه ان يتبرع ببناء مركز الطب الاسلامي ليكون الأداة الفاعلة للمنظمة الاسلامية للعلوم الطبية فلم يتردد لحظة واحدة في الموافقة، وبدأنا في الخطوات التنفيذية، وسألنا ماذا تريدون، فكنا نطمع في قاعة اجتماعات متوسطة الحجم وبعض العيادات وبعض المختبرات ومكتبة صغيرة ومسجد صغير فإذا به يسأل: ولماذا هذا البخل على مشروع في سبيل الله؟ أموالنا وما نملك من الله سبحانه وتعالى، فالمال مال الله لم يبخل علينا واستخلفنا فيه فكيف نبخل عليه؟ وهذا مشروع لخدمة الاسلام والمسلمين، فعلينا ان نعطي فيه اكبر قدر ممكن، فأرجو ان تطلبوا ما تشاؤون فلن نبني مركزا مثل هذا مرة ثانية، وطلبنا كل ما نريده وكان سخيا كعادته، وكلف لتصميمه احد اهم البيوت الاستشارية في بريطانيا، واشترط ان تكون روحه اسلامية ومستمدا من تراثنا الاسلامي، وانتظرنا التنفيذ وغاب التنفيذ، وادخل الشيطان في روعنا انه تراجع لأي سبب من الاسباب، وقابلته وسألته: هل مازلت على الوعد؟ فطلب مني ان اذهب الى موقع البناء لأرى التجارب التي اجراها المقاولون والمعماريون ليخرج البناء كما اراد له ان يكون.
وقال هل تعلم عني اني اتراجع عن اي عهد التزمت به خاصة ان ذلك لله سبحانه وتعالى الذي افاء علينا، وخرجت التحفة المعمارية الرائعة التي بين ايدينا، فكان المسجد من دون اعمدة، الثريا الكبيرة والصغيرة مصنوعة بأيدي صناع مصريين اقاموا بمنزله، وبعد الانتهاء ارسلوها الى ايطاليا لتغطيتها بماء الذهب، اما المحراب فاستغرق بناؤه ستة اشهر، احضر له مجموعة من المعماريين ليخرج واحدا من اجمل ما رأيت، اما المنبر فأندلسي الصنع، والكتابة تركية الأداء والزخارف اسبانية المنشأ إسلامية النفس، والابواب النحاسية سورية الصنع بنقشها الجميل والجبسيات من بريطانيا والسجاد اربع قطع فقط ليعكس نفس صورة القبة من الداخل، وفي النهاية وكعادته الا يتباهى بما يقدم ويتبرع ولكن اسماه مسجد «لولوة النصار ويوسف المرزوق» باسم والديه رحمهما الله رحمة واسعة وألحق بهذا المسجد الكبير الجميل ذي الذوق الرفيع مركزا للطب الاسلامي بمختبراته وعيادته ومكتبته الرائعة وقاعة اجتماعاته الكبيرة الجميلة.. ثم كتبه باسم اخوته واخواته وخصص كل ذلك للمنظمة الاسلامية للعلوم الطبية التي كانت ومازالت حدثا هاما في تاريخ العلوم الطبية.
فأدخلت العلاج بالأعشاب الطبية وقامت بدراسات كثيرة حول المواد النجسة في الغذاء والدواء واصبحت علما في مجال الاخلاقيات الطبية مستمدة من الشريعة الاسلامية وعضوا بارزا ومتحدثا رئيسيا في جميع المحافل الدولية.
وحانت لحظة الافتتاح الرسمي للمشروع في فبراير 1987 ليتشرف الحضور بصاحب السمو أمير البلاد المرحوم الشيخ جابر الأحمد طيب الله ثراه حيث تربطه علاقات وثيقة مع خالد المرزوق والأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله رحمه الله رحمة واسعة، وصاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح حفظه الله ورعاه، كان حفلا رائعا وكان آخر المتحدثين صاحب العرس المتواضع الأخ الحبيب خالد المرزوق الذي كانت كلماته صادقة في معناها ومحتواها، عبرت خير تعبير عن شعوره ومحبته وإخلاصه للكويت واهلها، واختتم الحفل بصلاة المغرب في مسجد المركز والذي تجول فيه الحضور وأصبح مزارا انسانيا تقام فيه الصلوات الخمس عامرا بذكر الله.. ودعاء الى من اقام المسجد وحرص على إقامته بهذا الفن الاسلامي الجميل رمزا دائما لحضارة معطاءة على مر الزمان.
ومرت الأيام والسنون لم تعقد المنظمة مؤتمرا ولا لقاء يخص المنظمة الاسلامية للعلوم الطبية إلا واستضاف الحضور في منزله العامر، فهؤلاء ضيوف الكويت وهم ضيوف المرحوم خالد المرزوق.
وكنت على اتصال دائم معه لبعض الاعمال الخيرية داخل الكويت وخارجها، فكان معطاء محبا للخير يمد يدا ظلت ممتدة الى ما قبل وفاته، ومشاريعه مازالت قائمة تؤدي دورها فهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له». كان كثير المرور على المركز يرعاه ويراه بنفسه ينمو ويزدهر سائلا عن اي معوقات ليقدم الحلول لها على جميع المستويات كان ومازال المرحوم خالد المرزوق قامة عالية في الكويت وخارجها وقيمة هامة في عالم الاقتصاد والتجارة والسياسة والمال والأعمال الخيرية.
وحانت لحظة الوداع الأخير من دنيا فانية ملأها رحمه الله بأعمال باقية رصيدا له في الآخرة وامتلأت المقبرة عن آخرها، جاءها الفقراء والأغنياء يبكون رجلا لم يدخر وسعا في تقديم العون لكل من يحتاج إليه فقيرا او غنيا، رحم الله أخي خالد المرزوق وأسكنه فسيح جناته وألهم آل المرزوق الصبر والسلوان وكل محب وعاشق لهذا الرجل العظيم.