عبدالرحمن العوضي
لقد امتنعت منذ فترة عن الكتابة، لأن قضايا الأمة لم تعد تفيد فيها الكتابة، وقد انطبق عليها المثل العربي «فالج لا تعالج»، أي اننا وصلنا الى مرحلة حرجة في حياتنا السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصا فيما يتعلق بعلاقة مجلس الامة مع الحكومة لدرجة ان صاحب السمو الأمير قد ملّ من النصيحة ولم يجد بدا من اللجوء الى آخر العلاج وهو الكي أي حل مجلس الامة دستوريا.
ما نشاهده على الساحة ان حل المجلس لا يحل الازمة التي مرت على البلاد لأن النسيج الاجتماعي الكويتي قد تخلخل وأصبح هناك فاصل اجتماعي بين متخذي القرار ومجاميع الشعب لدرجة الانفصام وعدم التواصل الاجتماعي المفروض بين القيادة والشعب.
لا أود ان ادخل في أسباب ذلك لأنها طويلة ومعقدة، ولكن يكفي ان نرى بوادر عجيبة وصلت بنا الى مرحلة التحرش والصدام بين الناس والأمن، وقذف رجال الامن بالحجارة رغم ان رجال الامن كانوا ينفذون قانونا شرعه اصحاب الانتخابات الفرعية انفسهم الذين رجموا رجال الامن بالحجارة، وانا على يقين بأنهم كانوا يعلمون ان مثل هذا القانون غير ممكن تطبيقه وخاصة في المجتمعات القبلية، ولكن كيف صدر هذا القانون؟ أمر يدعو الى الحيرة، وهل النوايا كانت مبيتة لجر رجال الامن الى مثل هذا التصادم وما يمكن ان نسميه العصيان المدني، كل ما ارجوه ان يكون ظني مخطئا في ذلك، حيث يجب ان نعمل على الا تدخل الكويت في معارك بين رجال الامن والشعب.
وبجانب قانون الانتخابات الفرعية اصدر المجلس السابق قانونا غريبا يحدد فيه اسلوب الاعلان في الانتخابات والاكتفاء بمقرين لكل مرشح فقط رغم ان عدد المناطق قد قلص الى خمس، وعلى اعتبار ان المرشح سيزور الدواوين اثناء الحملة الانتخابية، والتي عادة لا تتعدى الشهر الواحد رغم ان الدواوين اصبحت لا تقل عن ألف ديوانية في كل دائرة.
في الوقت الذي تقوم فيه الحكومة بتحطيم هذه الدواوين لانها مخالفة للقانون رغم ان غالبيتها كانت قد مضى عليها عدة سنوات واجهزة الحكومة غضت الطرف عنها.
وهناك أمر آخر غريب جدا، وهو ان من أقروا الدوائر الخمس اصبحوا يتذمرون بعد ان وجدوا ان توقعاتهم في زيادة عدد نوابهم لم تكن صحيحة، وصاروا يطالبون بالدائرة الواحدة وذلك لمزيد من الاضطرابات الاجتماعية والتغييرات الكبيرة في اسلوب انتخابنا الذي درجنا عليه خلال الاربعين سنة الماضية من حياتنا الديموقراطية، وهذا الامر بطبيعة الحال سيزيد من عوامل التفسخ في المجتمع، ويستغرب الانسان من ان هؤلاء المطالبين بالتغيير في الدوائر يرمون من ورائها الى احداث عصيان مدني في البلاد.
كل هذه التناقضات على الساحة تجعل الانسان يخاف من هذه التغيرات الاجتماعية التي نقوم بها دون دراسة واقعية، وما يترتب عليها من تغيرات في الدوائر الانتخابية، ولو استعرضنا الجدول الذي نشرته الزميلة «الراي» والتغيير الكبير الذي طرأ على تركيبة المجتمع الكويتي، لاستفقنا من هذا الحلم الرمادي الذي نعيشه والذي اخافنا فيما بعد عن طريق التجنيس العشوائي في تأثير ذلك على مفهوم الاسرة الواحدة، حيث نجد التباين واضحا في تركيبتنا الاجتماعية الجديدة، وبطبيعة الحال نحن السبب في ذلك وسيزداد الامر سوءا في نظري بسبب النهج الخاطئ الذي سلكناه بتغيير التركيبة السكانية في الكويت.
اننا حقا نعيش مخاضا غريبا يجري بأسلوب «السرايات»، والغريب ان الجمعة الماضية مرت علينا سرايات مفاجئة دمرت الكثير في طريقها، كما علمنا من الاخوة مسؤولي الارصاد الجوية ان هناك سرايات كثيرة في هذه الايام من السنة.
وما يمكن ان نتطلع اليه بعد ذلك ان نعيش فترة سرايات اجتماعية يقل تأثيرها عن السرايات الماضية، نرجو ان يلطف الله بنا ويحمينا من شرورها ويكتب لنا النجاة، وكان الله في عون الكويت وشعبها.