عبدالرحمن العوضي
الكل محتار حول ما يدور في الساحة السياسية، والكل يعيش في هاجس الخلاف بين مجلس الأمة والحكومة، وكأن مصيبة الوضع الاقتصادي المحلي والاقليمي والدولي لا تكفي، وكأن قضية البنوك واحتمال انهيارها أصبحت مجالا للتهديدات، وصارت قضية سحب جنسية خمسة اشخاص تتساوى مع هذه القضايا المصيرية، وبرزت على السطح أخيرا قضية دخول الداعية الشيعي محمد الفالي وتحولها من حيث البقاء أو الترحيل من الكويت يهدد بحدوث صراع طائفي في الكويت، وفوق كل ذلك اصبحت قضية حل مجلس الامة هي الفيصل في الحد من هذه الاعاصير التي تعصف بالبلاد ولا تعرف ما هو المصير.
كأننا على موعد كل سنة مع صراع محتوم بين السلطتين، وما يزيد من شدة خطورة هذا الصراع الأوضاع التي ذكرناها سابقا، فالسؤال الذي يشغل المواطن أصبح أين المصير يا ناس؟ خصوصا ان باب رزق كبيرا للناس في تداول البورصة قد اقفل لمدة ايام امام الجميع ليس بسبب اقتصادي او مالي بل بحكم قضائي، وهذه بطبيعة الحال ظاهرة خطيرة تنم عن عجز وعقم في تحرك السلطتين للتصدي للقضايا المصيرية في البلد، ومع ذلك فلايزال الكل ضائعا ولا أحد تشفي اجابته غليل السائل، فكيف يا ترى وصلنا الى هذا المأزق الخطير من تاريخ بلدنا؟ وكيف أصبحت الكويت الهادئة المستقرة الواعية الحكيمة والتي كان يضرب بها المثل معرضة للتخبط وعدم الرسو على بر الأمان، وصارت سفينة الكويت تتلاطمها الأمواج ولا مسار واضحا لها ولا تعرف ما المصير الذي ينتظرنا جميعا.
القضية المهمة في نظري هي موقف الحكومة، وغياب القرار الحكومي الحاسم وتردد المسؤولين في التصدي لقضايا هذا البلد الطيب، ومحاولة توريط القيادة العليا في قرارات هي من صميم مسؤوليات الحكومة، وكذلك الامر بالنسبة لمجلس الامة في هذه السلطة التي اتخذ أعضاؤها وصولهم اليها كمكسب كبير يستغلون نفوذهم لمآرب في نفوسهم، فالتهديدات المتباينة والمتناقضة في المجتمع من قبل الأعضاء ما هي الا قنابل اختبار يحاولون ان يجدوا مدى تأثير هذه الشائعات والتهديدات على المواضيع الحكومية.
ونجد هذا الحذر من الانفجار الكبير ليس خوفا على استقرار الكويت وأمنها وأمانيها، ولكن خوفا على ضياع مصالحهم وفقدان كراسيهم التي طالما استغلوها من اجل التطاول على الغير بحق وبغير حق، وهم يحاولون دائما ان يستأثروا بجميع السلطات ولا يسمحوا لأي سلطة بالتعدي على سلطات اخرى الا وفقا للدستور الكويتي الذي فصل بين هذه السلطات، ولكن التساهلات الكثيرة من قبل السلطة التنفيذية جعلت اعضاء السلطة التشريعية يأخذون من التعدي أسلوبا لتحقيق مكاسبهم، وأصبح كل وزير في السلطة التنفيذية يعيش على أعصابه، وأصبح اهمال مصالح الناس هو طابع الأداء الحكومي.
لا اعتقد بالطبع ان هذا الأسلوب هو أسلوب صحي من أجل الابحار بسفينة الكويت في هذه الأمواج المتلاطمة والمنافع المتضاربة والمطامع المتجددة التي نسمع عنها بين حين وآخر لمن ينظرون الى الكويت الشر الدائم.
انه حقا تحد كبير لمتخذي القرار في الكويت، ولا يجب التردد في أخذ القرار السليم المناسب الذي لن ترجع الأمور بدونه الى نصابها، ويكون التطبيق السليم للدستور هو الطريق الى النجاة ونتجنب التساهل في الافراط بحقوق وواجبات كل سلطة، وعندها فقط يمكن القول اننا تعلمنا الدروس المريرة التي مررنا بها في السنوات الاخيرة، هذه الدروس التي يجب ان تكون امام أعيننا ونحن نتصرف في مصالح الكويت.
فلا شيء فوق مصلحة الكويت، ولا أحد فوق القانون، ولا يجوز اختراق الدستور ولا نحبذ العمل خارج إطاره لأن هذا الدستور هو الوثيقة الوحيدة التي اجمع عليها الكويتيون، ويجب ان نضرب بيد من حديد كل من يحاول التلاعب بأحكام هذا الدستور من أجل تحقيق المصالح والمكاسب الخاصة، وعلينا ان نعي ان ما ورد في هذا الدستور من أحكام هو الطريق الى النجاة والوصول الى بر الأمان، فلا يجب ان نتردد في هذه الظروف الحالكة من حياة الكويت في الحفاظ عليها ورفض كل من يحاول ان يمس كيانها تحت أي عذر من الأعذار، فالوضع العالمي المتأزم بين الكساد والتفكك المالي والاقتصادي يجبرنا على لم الصفوف وان نترفع عن مصالحنا الشخصية، وان نعيد القراءة لآخر خطاب لصاحب السمو الأمير عند افتتاح مجلس الأمة حمل تمنيات سموه بان يكون الحفاظ على الكويت ديدن كل ذوي الشأن وان نترفع عن الطائفية والقبلية، واننا كلنا كويتيون نعيش على أرض الكويت ونحميها بالغالي والنفيس، وان نعطيها اكثر مما نأخذ منها لأن العالم يتطلع الينا، وخاصة اخواننا في الخليج وإلى تصرفنا في هذه المرحلة الخطرة.
لقد كنا دائما نموذجا في العطاء والبناء، ونموذجا للرؤية المستقبلية الثاقبة، وأملا لكل من يريد التقدم والتطور ويريد الحرية والاخلاص للكويت، اننا فعلا نحتاج الى اعادة رسم هذه الصورة الجميلة الفريدة التي بنيت عليها الكويت.
فحبنا للكويت هو اللحمة التي تجعلنا ككويتيين لا نقبل التعدي على مصالحها وحقوقها مهما كانت الاعذار، فالكويت باقية وجميعنا زائلون، وعلينا ان نسلم الرسالة التي تسلمناها من أجدادنا وآبائنا الى أولادنا وأحفادنا ونغرس فيهم روح المودة والعطاء والبناء من أجل مستقبل زاهر لكويت المستقبل.
وحفظ الله الكويت وأهله من كل مكروه