عبدالرحمن العوضي
تعيش الامة العربية والاسلامية هذه الايام مأساة بشرية كبيرة، حتى انها تتصادف مع بداية السنة الهجرية الجديدة ونهاية السنة الهجرية القديمة، وكأن اليهود والاسرائيليين يرغبون في كتابة تاريخ هذه المجزرة الجديدة مع اخواننا في غزة مع بداية عام هجري جديد وآخر قديم قد انقضى مع ما فيه من أهوال.
هكذا هم اليهود يختارون دائما المناسبات لكيلا تنسى ضحاياهم قوتهم وجبروتهم، وهذا الامر ليس بغريب عليهم، فهم اهل الشر والظلم والكفر والنكران طوال تاريخهم، وهم مستكينون ومطمئنون الى أن الامتين العربية والاسلامية لا تتعديان كونهما مجموعات بشرية كما وصفهم الرسول ژ بأنهم «غثاء كغثاء السيل» فهم يتقبلون مصائرهم المحتومة بالموت كالخرفان على يد هؤلاء الجلادين كما تقبل الاغنام سكين الجزار دون مقاومة.
عيب علينا حقا ما نعيشه هذه الايام، ولا اعتقد ان هذه الامة العربية قد بقيت فيها الحياة وهي كالجسد الميت وليس لجرح بميت ايلام رغم ما نراه من صراخ وعويل صادر عن الجرحى في غزة والخطب النارية والهتافات التي نسمعها في حشود المتظاهرين في الوطنين العربي والاسلامي، فإن كل ردود الفعل هذه لا تتعدى كونها ردود افعال وقتية لن تخيف اسرائيل وحليفتها اميركا، وتعلم اننا سنلهث من جديد نطرق باب المفاوضات والصلح لايجاد دولتين وغير ذلك من اصناف التدجيل الذي يمارسه العالم في مأساة انسانية كبيرة كمأساة فلسطين.
وانني على يقين من ان هذه الفاجعة والكارثة ستكون مثل مجزرة قانا ومخيم جنين وغيرهما من المجاز في مخيمات اللاجئين، لان اصحاب الحق غائبون عن الحق والمطالبة به، فلا يفيد اخواننا في فلسطين مثل هذه الهتافات الوطنية التي تحول فلسطين العظيمة الى مناسبات كوارث تحتاج الى مساعدات ومعونات وعلاج بعض المرضى والمصابين، بجانب قرارات الجامعة العربية والامم المتحدة التي ستبقى دون ادانة وتنفيذ، وكعادتها فإن اسرائيل ستعود بنا الى ما كنا عليه قبل الحرب، منتظرة مناسبة اخرى تريد ان تحقق من خلالها مكاسب جديدة لها كما هو الحال في هذه الجريمة الجديدة التي ستستغلها لمآرب خاصة بها كالانتخابات القادمة في اسرائيل.
هذه الهجمة الشرسة ستلبي حاجات الاحزاب الاسرائيلية الاخرى، فالكل سيحاول المزايدة على تشتيت وتدمير ما تبقى من الكيان الفلسطيني وهم يعدون العدة امام رئيس الجمهورية الجديد في اميركا حتى لا يتركوه يتصرف بصورة مختلفة عن باقي الرؤساء الاميركيين السابقين.
فالقضية هي القضية الفلسطينية، ومادام الفلسطينيون مختلفين ومنشقين على انفسهم فسيختلف العرب والامة الاسلامية ويكونون مختلفين في التحالف مع فئة ضد اخرى، ويريدون بذلك الشقاق بين الفلسطينيين وتزداد القرابين دائما من الفلسطينيين من جراء التطاحن بين هذه الفئات، وتقف اسرائيل متفرجة منتظرة لحظة الانهيار الكامل للفلسطينيين، وهي على يقين بأنهم سيعودون اذلاء يلثمون عتبات المفاوضات ويستجدون كيانا فلسطينيا مهما بلغ ضعفه وهشاشته.
فعلا انها مأساة، وان كانت مأساة عربية اسلامية، الا ان قلب المأساة هم الفلسطينيون، ومادام قادتهم يعيشون على المزايدات واللعب على الاحبال السياسية وهمهم الاكبر انفسهم ومصالحهم دون النظر الى المصلحة الفلسطينية الاساسية، فدون ذلك ستظل هذه المأساة متفككة وليست متلاحمة، ولن يكون لديهم قوة مواجهة الصراع السياسي او العسكري الاسرائيلي الذي يتهددهم، ولا امل في نظري في ان يكون للاخوة الفلسطينيين كيان او وجود وسيعيشون في الشتات مدى الدهر وحتى الحلم بالعودة سيختفي من تاريخهم لان الذل والهوان الذي يقبلونه سيظل الهاجس الاساسي في حياتهم اليومية.
فلا يفيد صراخ العرب ووعودهم وتهديداتهم، ولا تفيد الخطب لكل من فتح وحماس، ولا يعتبر تبرير المواقف لهما لانه دون وحدة الشعب الفلسطيني تحت قيادة واحدة بعيدا عن المتاجرين الحالمين بالقضية، فلا تتوقعوا الخلاص وسنظل عبيدا لاسرائيل وستظل الامة المقهورة تتفرج على قوة وجبروت التعديد الاسرائيلي الذي يهدد العالم العربي جميعا دون ان تكون لديها قوة رادعة لعنجهية وجبروت اسرائيل.
فهل يهب الشعب الفلسطيني على هذه القيادات المتلاعبة في مصيره، ويأتي بقيادة جديدة تؤمن حقا بحق الشعب الفلسطيني صاحب المأساة الاكبر في القرنين الماضي والحاضر.
وكان الله في عون هذا الشعب الذي يرزح تحت ظل اقذر استعمار عرفه التاريخ.
وكان الله في عونهم، ودعائي الى الله ان يتمكنوا من التغلب على انفسهم، وبعد ذلك التغلب على هذا العدو الشرس وان غدا لناظره قريب.