عبدالرحمن العوضي
كنت في إحدى رحلاتي إلى دبي أسكن في فندق صادفت فيه أحد الكويتيين الذي قدم نفسه بأنه أحد مهندسي الصيانة في الخطوط الجوية الكويتية، وتذكرت أنه كان مع أحد إخواني قبل 30 عاما وذهب لدراسة هندسة الطيران في اسكتلندا، وجلسنا لنتناول فنجان قهوة في بهو الفندق وسألته عن سبب وجوده في دبي، فقال لي أنا مسؤول في «الكويتية» أقوم على تنفيذ عقود الصيانة التي أبرمناها مع عدة شركات طيران في مطار دبي.
ووجدته يتحسر وهو يتكلم عن هذه العقود، فسألته عن السبب، فقال لقد عملنا كمهندسين كويتيين على مدى الـ 25 سنة الماضية لبناء نظام صيانة دقيق، وعلى أعلى المستويات للخطوط الجوية الكويتية حتى ان مستوانا اصبح عالميا يؤهلنا للمنافسة مع الشركات العالمية المختصة في صيانة الطائرات، واستطعنا الحصول على عقود كثيرة من عدة شركات طيران في دبي وكان يضرب المثل في المستوى الفني الرفيع الذي تقوم به الخطوط الجوية الكويتية في الصيانة، وابتسمت وقلت اذا كان هذا مستواكم في صيانة طائرات الشركات المختلفة فما بال الصيانة في الكويتية التي اصبحت الآن مجالا للتندر والنكت والانتقاد ممن لديهم خبرة تعدمها في هذا المجال مما يشكل هذا الأمر تهديدا لحياة الركاب في الكويتية، لدرجة أننا اصبحنا نخاف ركوب الطائرة الكويتية بسبب العطل المتكرر الذي نسمع عنه.
وانفجر مرة اخرى قائلا: هذا الأمر يحزنني كثيرا لأن ما يدور في شؤون إدارة الخطوط الجوية الكويتية أصبح يؤثر على جميع العاملين لأن هناك تلكؤا وتباطؤا في تزويد الشركة باحتياجاتها من قطع غيار وخلافه، خاصة ان ما يدور من مجهول حول مستقبل الشركة يجعلنا جميعا نتحسر على السنوات التي قضيناها في شركتنا الوطنية نفتخر بدورنا في صيانتها وإظهارها على أحدث صورة.
كما أخبرني بأنه حزين أيضا لأن «الكويتية» رغم أنها فازت في صيانة شركات جديدة في مطار دبي، إلا انه قبل توقيع العقد مع هذه الشركات تراجعت «الكويتية» وانسحبت، الأمر الذي سبب لنا احراجا كبيرا، كان يقول ذلك والأسى يظهر على وجهه وهو يبكي على الأيام التي قضاها في بناء هذه الشركة الوطنية، وكيف أنه في أواخر عمره يجد نفسه مضطرا للتفكير في البحث عن عمل لدى الغير.
هذا الشعور موجود لدى جميع الطيارين والمهندسين والفنيين لدى الخطوط الجوية الكويتية، ولا نعلم لماذا تتردد الحكومة في مؤازرة هذه المؤسسة التي حلقت باسم الكويت في أرجاء العالم على مدى أكثر من 50 سنة مع احتفاظها بجودة الخدمة وسلامتها بجانب المبالغ الكبيرة التي استثمرت لبناء هذه المؤسسة الوطنية المهمة.
هذا الأمر يجعلني اتساءل أليس حراما علينا ان ندمر مؤسسة بنيناها حتى اصبحت صرحا عظيما؟ واصبحنا نتردد في دعمها لاستمرارها في الوقت الذي بدأت فيه الشركات الصغيرة والكبيرة تظهر في الكويت والمنطقة وتسيطر على الحركة الجوية فيها.
فإذا كنتم ترغبون في تدمير هذه المؤسسة فما تقومون به هو الأسلوب الشيطاني الذي يدمر الأشياء دون اظهار حقيقة ما في نفوس القائمين بهذا التدمير، ولكن ما ذنب المسافرين لنعرض حياتهم للخطر لأسباب في النفوس الشيطانية.
لاحظ صاحبي ان عيني قد اغرورقتا بالدموع فتأسف لي وقال: عسى ما ضايقتك بما قلته لك عن الوضع في الكويتية، فقلت له انك نكأت جرحا عميقا في قلبي بسبب مأساتك مع الكويتية وحالة عدم القرار الذي يعيشه العاملون في الكويتية، وتذكرت ان هذا الأمر لا يختلف كثيرا عن حال الكويت الحبيبة في الفترة الأخيرة من حال اللاقرار والكل فيها ضائع دون مستقبل واضح للاقتصاد وصناعة النفط، والوضع الاجتماعي، وحتى الوضع السياسي متمثلا في إدارة البلاد والعجز في تشكيل حكومة في فترة فراغ دستوري لم يمر على الكويت مثلها في السابق، كل هذه الأمور اصبحت تقلق الناس جميعا.
فخوفي من المستقبل المجهول يجعلني اتألم معه على وضع الكويت بصورة عامة و«الكويتية» بصورة خاصة، فحرام علينا ان يصل بنا الأمر الى هذا المستوى من التردد واللاقرار وسيكون حسابنا مع الله عسيرا لأننا قد ضيعنا الأمانة ونحن مساءلون امام الله يوم الحساب.
وكان الله في عون الكويت.