ترددت كثيرا في الكتابة عن هذه القضية التي أدخلت إخواننا السوريين في دوامة الصراعات بدءا من استهدافها تغيير نظام الحكم فقط.
فشلت المحاولات في البداية، وتداخلت الأمور وأصبح لكل فئة أو دولة أو منظمة أو هيئة أو تجمع رأي ومساهمة خاصة بها تهتم بمصالحها باستثناء كل من الأمم المتحدة والجامعة العربية اللتين أرسلتا ممثلا عنهما هو الأخضر الإبراهيمي، وصار يكافح لأكثر من سنتين لإيجاد طريق لتخليص هذا الشعب الأبي من هذه الورطة السياسية الكبيرة والتي أخذت تهدد بقاء سورية من القتل والتنكيل المروع لأفراد هذا الشعب كبيره وصغيره.
ومما جعلني اقدم على كتابة هذه المقالة هو ما سمعته في مساء يوم 20/12 في المؤتمر الصحافي الذي عقده الأخضر الإبراهيمي حول الاستعدادات لانعقاد مؤتمر جنيف الثاني.
وكنت ألاحظ الأسى والحزن مرتسمين على وجهه كأنه يشعر بأن الطريق أصبح مسدودا، وأن القضية السورية التي بدأت بخلاف مع النظام الحاكم أدت إلى تشريد عشرة ملايين شخص وتدمير مناطق كثيرة من سورية لدرجة أن البرد القارص والمجاعة شاركا في الحياة البائسة والقاسية للسوريين في المخيمات بجانب الحصار الذي تفرضه القوات النظامية وأفراد الجيش الحر والمحاربون بصورة عامة، وأصبحت الهيئات كلها تنتظر غنيمتها بعد تفتيت سورية وتفكيكها الى جزيئات ودويلات بائسة وضعيفة لا حول لها ولا قوة.
كل هؤلاء الناس لم يهمهم الدمار ولا القتل ولا التشرد الذي سببوه لهذا الشعب الأبي المعروف بتاريخه المشرف، وكأنهم قد اتفقوا على القضاء على هذا الشعب وتدميره حتى إبادته.
كل هذه المشاعر كنت ألاحظها في سمة اليأس التي بدت على وجه المبعوث العربي الدولي لسورية.
والسؤال هو: كيف يتم الخلاص من هذه الورطة، وكيف نحافظ على هذا الشعب الذي ظل طوال كل الصراعات التي وقعت في المنطقة صامدا مشاركا في بناء هذه الأمة رغم كل الصعوبات التي جابهها من الانقلابات المتعددة، والحكم الديكتاتوري الذي هيمن على كل تفاصيل حياته منذ الستينيات؟
والسؤال الآن والمهم في نظري: كيف يمكن الخروج من هذه الورطة الأهلية والإقليمية والعالمية؟ حيث ان جميع هذه العناصر أصبحت متداخلة، ويبدو الخروج منها صعبا، حتى أن ممثل الأمم المتحدة كان يتكلم واليأس واضح في مخيلته من عدم جدوى هذه المؤتمرات التي تقصد إيواء وتحسين حالة الشعب المشرد بعد أن أصبح محروما من كل وسيلة عيش.
في نظري، ان معالجة قضية الشعب السوري الذي تشرد منه أكثر من عشرة ملايين، ومات من شبابه أكثر من مائة ألف، ووقع أكثر من عشرة آلاف من النساء والأطفال مرتهنين لدى الفئات المتناحرة المختلفة وكأن تخليص هذه الفئات من براثن الموت التي تسببها هذه النزاعات يكون عن طريق تقديم العون والمساعدة للعيش فقط، في نظري ان القضية الجريئة التي يجب أن نتصدى لها هي: إعادة هذا الشعب الأبي إلى وطنه، وإزالة هذا النظام الظالم الذي تسبب في إثارة أصحاب الفتن وطرد كل الفئات الدخيلة التي أتت للاستفادة من الغنائم واستغلال تعاسة هذا الشعب لمصالح خاصة والضرب على يد الدول التي تساهم في تغذية الفتنة بين أفراد الشعب السوري.
إن هذا يعني أولا: على مجلس الأمن أن يصدر قرارا صارما بتضافر الجهود وإرسال قوة من الأمم المتحدة للفصل بالقوة بين الأطراف المتحاربة وإيقاف الحرب.
ثانيا: ان تتولى الأمم المتحدة بأسلوب مناسب حكم سورية لفترة ستة أشهر على الأقل يعود خلالها أهل سورية المشردين إلى وطنهم، لأن العيش في نظري في خرائب وبقايا البيوت والعمارات أفضل بكثير من العيش في المخيمات ولنساعدهم في إعادة ما تم تدميره وتعويضهم عما فقدوه.
ثالثا: يجب بعد أن يستقر هذا الشعب ولو بصورة مؤقتة في منازلهم وفي بيوتهم الأصلية، وبعد أن تتوقف هذه الحرب، ان يتخذوا القرار الذي يرونه مناسبا لنظام الحكم الديموقراطي الذي سيتسلم السلطة بصورة مؤقتة أيضا ولمدة ثلاث سنوات يتم فيها إعمار ما تم تدميره تحت إشراف الأمم المتحدة على أمل أن تستقر الأمور ويستطيع هذا الشعب أن يقرر مصيره بحرية تامة دون أي تدخل خارجي.
قد يقول الكثيرون ان هذا التصور جميل، ولكن لا يمكن تحقيقه، وجوابي لهم بأن ما حصل للشعب السوري ما هو إلا كابوس كبير يجب أن نخلص هذا الشعب منه.
وعلى المؤتمر الذي دعا له صاحب السمو الأمير والذي سيعقد في الكويت ان يكون همه الأصلي إيقاف الحرب وإعادة الشعب السوري إلى وطنه ليعيد ترتيب حياته بدلا من العيش مشردا في المخيمات والملاجئ خارج وطنه إلى ما لا نهاية كما حصل لإخواننا الفلسطينيين، بدلا من تقديم المعونات وهو مشرد في المخيمات والملاجئ، على أن تدعم الأمم المتحدة بكل ما لديها من إمكانيات وقرارات هذا المؤتمر حتى نتمكن من رصد المبالغ اللازمة لإيقاف هذه الحرب الظالمة، وإعادة الشعب السوري إلى وطنه وإعطائه الفرصة لمشاركة العالم في مستقبل زاهر إن شاء الله.
وكان الله في عون هذا الشعب الطيب الذي حرمنا من إبداعه وإنتاجه ودوره الفعال في بناء وطنه.
والله قادر على كل شيء.