عبدالرحمن العوضي
نعم، التاريخ انسياب للزمن تجده يحط رحاله في اماكن محددة ويبقى اثره على مر العصور، يزورها الناس ويتذكرون احداث تلك الحقبة التاريخية، فنجد مثلا في اميركا التي تاريخها حديث جدا تحتفظ في اماكن معينة جرت فيها بعض الاحداث، فعلى سبيل المثال هناك مطعم تبادل فيه الرئيس جورج واشنطن بعض وجباته (اكل قديم في بوسطن)، فنجد المكان محجوزا ومكتوبا عليه التاريخ الذي زاره جورج واشنطن، مع ان المطعم لايزال يستقبل رواده رغم مرور هذه الفترة الزمنية على وجوده.
اما نحن في الكويت فلا نعترف بالتاريخ بل في كثير من الاحوال نتحاشى ذكر الحقب التاريخية لبعض المناسبات، وكأننا لا نريد ان نتذكر بعض الاحداث مخافة ان تعود الينا مرارة ذكرى هذا الحدث، وهذا الامر حدث لبعض مخلفات حرب التحرير من الدبابات التي تركها الجيش العراقي ثم وضعت احداها امام وزارة الاعلام والثانية قرب بوابة الجهراء مقابل الشيراتون، ولكن رفعت بعد فترة حتى لا تثير الشجون عند بعض الناس بسبب تذكرهم لفترة الاحتلال العراقي الغاشم للكويت، رغم ان التذكير بهذه الجريمة واجب لابد ان نعيشه وابناؤنا من الاجيال القادمة حتى لا ننسى، ونسمع هذه الايام ترديد العبارة المعهودة: «عفا الله عما سلف» بالنسبة للاحتلال البغيض الذي حاول البعض ان يمحوه من ذاكرة الكويت ليجعلونا ننسى الجريمة التي حدثت لنا.
لا يا اخوان، التاريخ يجب ان نتذكره ونتعلم منه ونعيش حلاوته ومرارته، وان المحطات التاريخية يجب ان تكون اماكن للزيارة لأخذ العبر لنتذكر كيف كان يعيش من كان قبلنا، وان ندرس احداث هذه الاماكن التاريخية في المدارس ولزيارتها من طلبتها كواجب من الواجبات المدرسية ليروا الاماكن والاحداث التاريخية التي سطرها اسلافنا فيها ولنأخذ منها العبر ونستفيد مما قام به الآباء والاجداد خلالها.
تاريخنا ليس بالقديم كثيرا، ولكن مع ذلك يجب ان نزور بعض الاماكن التي خلفها هذا التاريخ القصير بالنسبة لتاريخ الدول لتكون بمنزلة محطات تاريخية مجسدة لما حدث فيها ويجب المحافظة عليها للاجيال القادمة.
ان قصر دسمان مثلا، هو قصر للحكم على مدى مائة سنة تقريبا، ولا يزال منذ بداية القرن الماضي، وعاش فيه عدد من حكام الكويت، وهو الآن لورثة الشيخ احمد الجابر، رحمه الله، وقد طلبت مرة بأن تقوم الدولة بشرائه وتبني فيه منزلين احدهما لصاحب السمو الامير، والثاني لولي عهده، وهناك مساحة شاسعة تستوعب ذلك، وتبقي مباني القصر القديمة متحفا يزوره الناس ليتعرفوا على تاريخ الكويت الذي شهده هذا القصر.
فالبيت الابيض مثلا مازال يزوره الناس رغم انه مقر رئيس الولايات المتحدة الاميركية، ويرى الناس كيف يعيش رئيسهم وكيف يتم استعمال القصر منذ ان بني، وكيف كان يعيش كل الرؤساء السابقين، فهذه الاماكن هي ملك للشعب لانها جزء من تاريخهم بكل ما حدث فيه من وقائع.
كما يجب الا يفوتنا ان نحافظ على السكن البسيط المتواضع في منطقة الشعب الذي كان يعيش فيه الشيخ عبدالله السالم رحمه الله قبل ان يبنى قصر الشعب الحالي الذي لم يستعمله رحمه الله طوال حياته، مثل هذه البيوت البسيطة للامراء السابقين يجب ان نحافظ عليها لنرى كيف كان يعيش امراؤنا في حالة من الزهد والتقشف لنأخذ الدروس والعبر.
وكذلك قصر الجوهرة، ذلك السكن البسيط المكون من عدة شبرات بسيطة قضى فيه سمو الأمير الشيخ جابر الاحمد، رحمه الله، حياته وزرع فيه كل شجرة فيه، وكان يقوم بنفسه في اوقات الظهر بحرث الارض ويزرع كل شجرة، ويا حبذا لو تثمن الدولة هذا البيت البسيط وتجعله مزارا ليرى الناس كيف كان يعيش الامير الذي اختار ابسط انواع الحياة ليعيشها، وكيف كان يعيش العظماء البسطاء الذين يكتفون بهذا القدر من هذا الحياة الفانية ويقضون جل حياتهم في خدمة شعبهم وطاعة ربهم كونها دار عمل لصالح الاعمال، رحمهم الله واسكنهم فسيح جناته.
اما القصر الثالث فهو قصر السلام، الذي مررت عليه قبل اسبوع ووجدت اسواره قد بدأت تنهدم والمدخل اصبح متكسرا ولم ادخل لأتفقده من الداخل ولكن ما اطلبه من المسؤولين ان يتحفظوا على هذا القصر الذي استضاف المئات من رؤساء الدول واقيمت فيه الولائم، واجريت فيه الاجتماعات والمباحثات التاريخية، انه حقا جزء هام من تاريخ الكويت للثلاثين سنة الماضية قبل ان يبنى قصر بيان ويسكن فيه ضيوف الكويت من الملوك والرؤساء.
حرام ان نترك هذه المعالم من تاريخ الكويت تندثر وبذلك نفقد جزءا هاما من تاريخنا ونحرم الناس من ان يعرفوا كيف كانت الكويت تحتفي بضيوفها من الرؤساء.
هذه مناشدة لمن بيده الامر لعلنا نحافظ على جزء من تاريخ الكويت لانه لا حياة لأي دولة لا تاريخ لها، وعاشت الكويت.