بسرعة شديدة ودعنا شهر رمضان المبارك، وبطبيعة الحال يختلف هذا الشهر عن باقي شهور السنة لأن الله سبحانه وتعالى خصه بنزول القرآن وجعل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. فالمحظوظ الذي يرى معجزة هذه الليلة التي يتلمسها الناس ويكون الشخص الذي يحظى برؤية هذه الليلة قد خصه ربنا بخصوصية متميزة.
إلا أن وسائل إعلامنا جميعا تنظر الى هذا الشهر على انه شهر التكسب المادي أكان في زيادة أسعار السوق بصورة عامة أو في المسلسلات واللقاءات والمسابقات وغيرها من التصرفات التي تهدف الى التهريج والإسفاف باستثناء بعض المسلسلات الجادة التي تجد لها مكانا بصعوبة في هذا الشهر المبارك. ولولا هذه المسلسلات وبعض المناقشات الثقافية والعلمية لكان من الأفضل أن لا نشاهد أي برنامج تلفزيوني. وفي تلفزيون الكويت شاهدنا بعض البرامج التي تتواصل مع الناس عن طريق إعطاء مقدمي البرنامج مبالغ كبيرة على شكل إعلانات ودعايات للمحلات التجارية لتوزع على المشاركين في هذه المسابقات التي لا يصل مستواها الى المستوى الابتدائي وكأن الهدف فقط هو جوائز ونقود لكي يلموا الناس وكأننا نشتري ولاءهم لنا.
مقدمو هذه البرامج لا يعرفون حتى بدائيات أسلوب تقديم البرامج واقترح ان ندعو السيد جورج قرداحي لفترة كي يدرب هؤلاء الناس على تقديم البرامج وكيف توزع هذه البرامج جوائزها ومستوى الأسئلة المطروحة على الجمهور، لأن الإسفاف في الفكر يقلل من قيمة المقدم ومن قيمة مستلم الجائزة، كما أن المبالغة في إعطاء الجوائز مقابل أسئلة تافهة تحتاج الى إعادة نظر بصورة جذرية، فليس الهدف من هذه المسابقات شراء ولاء الناس ولكن الهدف هو تطوير معارفهم ومفاهيمهم المختلفة.
اما بعض المسلسلات فان اغلب مواضيعها الأساسية تدور حول علاقة الرجل بالمرأة وكيف أصبحت الفتاة الكويتية تقلد الغربيات في المظهر وفي اللباس وفي عرض مفاتنها، ولا توجد اية علاقة بين مظهرها والدور الذي تقدمه في المسلسل وتحاول ان تتصرف وكأنها فتاة غربية تعمل على تغيير مفاهيمنا عن الأسرة والعلاقة المتبادلة بين أفراد الأسرة. هذا هو طريق الممثلات الجدد الطارئات على الفن. أما الممثلات القديمات أمثال سعاد عبدالله وحياة الفهد وبطبيعة الحال زعيم الممثلين عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج وغيرهم ممن تعلموا الفن المسرحي وزادوا عليه بخبرتهم الطويلة وبمواهبهم الفذة حيث يستمتع الإنسان بمشاهدتهم مهما كانت أدوارهم التي يقومون بها.
قد يقول البعض انني من القدماء ومن المتخلفين وممن يرفضون التجديد، ردي عليهم ان التجديد يجب ان يكون للأحسن كما يجب ان يكون هناك إتقان فيما نقدمه وغير ذلك كله، فليس كل فنان او فنانة تصلح لتقديم برامج ثقافية إلا أنها تحتاج الى مستوى من المعرفة والثقافة حتى يتحقق الهدف الأساسي وهو نجاح هذا البرنامج.
هذه بعض الملاحظات العابرة على مسلسلات وبرامج تلفزيون الكويت وأغلب الفضائيات في شهر رمضان الذي ودعنا منذ ساعات، ولا أرغب في التطرق الى الإسفاف الذي يقدم خلال عطلة العيد والذي مع الأسف الشديد يكون اغلب المشاهدين من الأطفال، ومن المؤسف ان برامج الدول الخليجية الأخرى افضل منا مع انهم يحاولون ان يقلدوا نفس الأنماط التي يقدمها تلفزيون الكويت ولكنهم يضيفون عليها لمسة فنية مع مقدمي برامج مختصين تعطي هذه البرامج معاني وفوائد أكثر إيجابية تعود بكل تاكيد على المشاهد.
ويؤسفني أيضا ان البرامج العلمية والثقافية المبسطة والهادفة والموجهة للإنسان العادي حتى نشجعه على التفكير لا مكان لها باستثناء بعض البرامج التي تؤخذ من البرامج العلمية الغربية ولكنها مدبلجة باللغة العربية وتكون بعض القضايا التي تناقشها لا تناسبنا. وكل فرد يشارك فيها يكون خبير زمانه في السياسة والعلم والمعرفة والاجتماع والدين ويتصرف وكأن الكويت بلد لا يوجد فيها أي شيء صالح، ولم أجد في هذه البرامج النقاشية ولو من قبيل الرد شخص يتطرق الى واقع الكويت لتصحيح مثل هذه المغالطات، هذا التعدي على إنجازات الكويت التي أصبحت معروفة وقلدتها دول المنطقة يجب الرد عليها وتصحيح المقارنة التي دائما تكون متحيزة ضد الكويت.
ان التلفزيون أيها الأخوة بما له من اطر وسائل الإعلام لا يمكن ان نستعمله للإيذاء والتأثير على الناس ببرامج ضارة مع ان هناك القليل منها تقدم برامج تستهدف الإنسان وتحاول ان تستقطب اكبر عدد من المشاهدين وتحسن من مهارتهم ومعارفهم. ونحن في الدول النامية نحتاج الى ان تكون هذه البرامج هادفة بجانب تزويدنا بالأخبار والمعلومات الصحيحة التي تبثها علينا.
ففي رمضان حرمنا كثيرا من مشاهدة البرامج التلفزيونية الجادة التي تجمع الأسرة حولها وتشغلهم بقضايا هامة يستفيدون من مشاهدتها. لذلك ليت المشرفين على برامج التلفزيون في الكويت بالذات التي هي سباقة منذ إنشائها ان تغزو أسواق دول المنطقة بمسلسلات وبرامج هادفة كالتي أنتجناها في السابق ووصلت الى تونس والمغرب يدركون اهمية ذلك. وبدلا من هذه المسلسلات الجادة أخذنا نشاهد مسلسلات تركية تناقش قضايا المجتمعات المخملية في تركيا.
هذا الأمر بطبيعة الحال يدعونا الى الأخذ بيد تلفزيون الكويت وذلك بأن نقيّم برامجنا بصورة جادة وبمشاركة عدد كبير من الناس وعمل استفتاء بما يريده الناس في برامج التلفزيون والإذاعة الكويتية، فلنكن كعادتنا مبادرين لطرح قضية هامة نغير اتجاه البرامج التلفزيونية حتى تصبح هذه البرامج وسيلة ليس فقط لإثارة غرائز الناس بل لإثارة عقولهم وضمائرهم.
وأود أن اذكّر بان الحضارة ليست فيما نلاحظه من مبان شاهقة ومجمعات ضخمة وانما الحضارة في بناء الإنسان وإعطائه فرصة لاستيعاب الحضارة التي نعيشها.
إنها بطبيعة الحال مسألة صعبة ولكن التقييم المستمر للبرامج سيؤدي الى تطوير هذه البرامج لمصلحة المشاهد والمستمع دائما.
فيا ناس قدموا ما يفهمه ويطلبه الناس ولا تقولوا إن الناس يجب ان يعرفوا ماذا نقدم. مثل هذا التصرف خطأ كبير ولا تتحقق الفائدة من هذه الوسيلة الإعلامية الكبيرة المؤثرة والخطيرة وكان الله في عون الأخ وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود إذ استطاع أن يخترق حواجز التخلف في الوزارة وان يأخذ المبدعين منهم، مع دعائي لهم بالتوفيق وتمنياتي للجميع بعيد فطر سعيد وكل عام والجميع بخير.