«اخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم»، إنها حكمة كبيرة يجب أن يعلقها كل إنسان على باب بيته يراها كلما يدخل ويخرج من بيته، لأن الإنسان مع الأسف الشديد ينغمس في الملذات وتطيب له الحياة لدرجة أنه يصاب بالتخمة وأمراض كثيرة بسبب السمنة والضغط والقلب وحتى السرطان.
عجيب هذا الإنسان، كيف أنه يلقي بنفسه إلى التهلكة بيده ولا يتذكر مثل هذه الحكمة التي تذكره دائما بأن التمتع بالنعمة لن يكون بصفة دائما وأنها قابلة للزوال؟! وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى أمراض أصبحنا نسميها أمراض العصر.
نحن لسنا الوحيدين المشاركين في هذه الجريمة ضد الإنسان، لقد عانى منها الغرب قبلنا، ونرى الآن هذه الأمراض متفشية بينهم وأخذوا يفكرون في تخفيف أوزانهم بصورة جدية. الفرق بيننا وبينهم أنهم دائما يأخذون الأمور بجدية، فأخذوا يغيرون أنماط حياتهم وزادت الأنشطة الرياضية، وقننوا الأغذية لأطفالهم في المدارس، وبدأوا يفكرون في إغلاق وتقليل عدد مطاعم الوجبات السريعة لأن أغلبها يحتوي على مشهيات كيماوية تعود الإنسان عليها وخاصة أطفالنا.
أما نحن فعكس ذلك، قد زادت فروع هذه المطاعم السريعة عندنا وأصبحت تصل إلى البيوت، حتى ان الحركة التي كان الأطفال يقومون بها من البيت إلى المطعم قد حرموا منها، وتأتي طلباتهم إلى حيث يشاهدون الأفلام، لدرجة أن أغلب الدراسات الأخيرة أظهرت أن الوجبات أثناء العمل وأثناء الراحة تؤدي إلى الكثير من الأمراض المزمنة.
كل هذا معروف، وعلى الرغم من ذلك نتصرف في حياتنا وكأن الخير «خير» ولا يهمنا. ويصل بنا الأمر إلى الإدمان على هذا النوع من الحياة ولا نستطيع التخلص منه ونبحث عن زيادة دخلنا حتى نزيد من هذه الوجبات القاتلة.
بهذه الطريقة يتغير نمط الحياة تماما، فمجتمعنا مع الأسف الشديد لم يصل إلى التحضر بحيث يستطيع أن يفكر في مصلحته بل ينجرف دون تفكير بالمخاطر، أو الاكتراث بما يضره. ولزيادة مداخيلهم ومعاشاتهم أصبحوا يضغطون على نوابهم لكي يزيدوا من هذا الأمر، وبذلك يستمرون في التمتع بالحياة دون التفكير في عاقبة ما يعملون، فنجد مع الأسف الشديد تجاوبا من الحكومة ومن المجلس في تلبية طلباتهم رغم معرفتهم بالأضرار لمثل هذا التوجه.
ومع زيادة دخول الشخص وعدم تغيير نمط حياته وإدراك مخاطره تتواكب عليه المصائب والأمراض حتى ينقص عطاؤه في عمله. وكل هذه الأمور تؤدي إلى خسارة كبيرة في الدخول ولا يوجد مصدر آخر يزيد الدخل، ومع الزمن، وعلى ضوء تغير أسعار النفط فلن نستطيع إلا الاستسلام لعجز الميزانية وعدم تمكن الدولة من تغطية متطلباتنا. وهذا الأمر سيحدث لنا عاجلا أو آجلا، لأننا في الكويت دائما ننتظر الكارثة، وهذا علاج لكثير من الأمور في حياتنا، كان من الممكن الاصلاح دون أن تتفاقم الأمور وتؤدي إلى خسارة كبيرة.
نحن الآن نعيش هذه اللحظة، فكيف تفكر الدولة إذا كان الشعب مُصر على الاسراف والبذخ وزيادة في الانفاق دون أي اكتراث لما يحدث في الدولة؟! فنحن جميعا في مركب واحد وعلى المسرفين والمبالغين وغير القادرين على تغيير أنماط حياتهم أن يعلموا أن العاقبة وخيمة والعجز سيؤدي إذا تكرر إلى إفلاس الدولة.
نعم، لا تستغربوا من هذه الرؤية المتشائمة، فإننا قد بالغنا كثيرا وهدرنا المال وتخلفنا عن كل الدول المحيطة بنا، وزاد الفساد لدينا على جميع المستويات، فالأغلبية مع الأسف الشديد همها الكسب الشخصي والهدر والنهب دون واعز من ضمير أو دين، وهذا الأمر من طبيعة الحال أمر خطير جدا ولا نحاول التخفيف منه، فعلى الحكومة أن تصارح الناس بالحقيقة وتقنعهم بالتوفير وتغيير نمط حياتهم، حياة البذخ والرفاه، فالسكين قد بلغت العظم، فالجميع مطالبون بأن يعلموا أن المستقبل إذا لم نقف له بقوة وحزم فإن النتيجة ستكون وخيمة، وكان الله في عون الكويت وأهلها الطيبين.
فعلى الحكومة أن تبدأ بالتقشف في جميع مجالات الحياة، وان تتحكم في الأسعار حتى لا يستغل التجار الظروف الاقتصادية التي قد تمر بها الدولة، لا سمح الله.
فالجميع مسؤولون، ولا أحد يخرج عن الإجماع ضد التحدي المستقبلي، ونحن دائما على مستوى المسؤولية، هل يا ترى نتذكر ذلك حتى الآن أم نسينا أو تناسينا ذلك؟!