د.عبدالرحمن عبدالله العوضي
هل يعلم أصحاب المقالات مدى تأثيرهم على القراء فيما يكتبونه من تهويل ومبالغة في نشر أخبار وباء إنفلونزا الخنازير على الرغم من عدم تخصصهم الدقيق في هذا المجال. فكل من يقرأ هذه الأيام صحافتنا أو يشاهد قنواتنا الفضائية يجد أن أغلب الكتاب يحملون لواء الهلع والفزع واليأس من إنفلونزا الخنازير. ولا يتصورون ردود فعل هذا الكلام لدى عامة الناس.
والعجيب أن أغلب هؤلاء الناس أصبحوا خبراء واختصاصيين في مجال إنفلونزا الخنازير ورغم ما تقوم به وزارة الصحة من جهود، وما نشره الأخ د.هلال الساير وزير الصحة في الصحافة، وما قاله د.حسين الجزائري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، وما قاله الخبير الفني الذي وصل الكويت ممثلا لمنظمة الصحة العالمية وتكلم بالتفصيل عن هذا المرض وأنه لا يتعدى كونه نوعا جديدا من ڤيروس الإنفلونزا. ڤيروس الإنفلونزا المنتشر وبائيا على مدى الـ 100 سنة الماضية في جميع أنحاء العالم. ورغم تكون المناعة في أغلب الناس إلا أن هناك تطعيمات تعطى لزيادة هذه المناعة عند كبار السن والأطفال والعاملين في مجال تقديم الخدمة الصحية زيادة في المناعة وذلك على ضوء ما تم رصده من أنواع الإنفلونزا في المناطق المختلفة من العالم. وهذا المرض منذ أن بدأ في الانتشار له ضحايا كثيرون. فأول ما انتشر قبل 100 سنة. كان ضحاياه أكثر من 50 مليون لأن جهاز المناعة للإنسان لم يتعرف على هذا الڤيروس ولم تكن لديه مناعة.
وعلى مر الزمن تطور هذا الڤيروس فأصبح يعيش ليس في البشر فقط بل في الطيور والحيوانات الأخرى كالخنازير والأحصنة وأنواع كثيرة أخرى، أما بالنسبة لتحول ڤيروس الإنفلونزا فإن خطورته تكمن في مقدرته على الانتقال من الحيوان إلى الإنسان ومن الإنسان إلى الإنسان ومن الإنسان إلى الحيوان، لأنه لا تكون لدى الإنسان مناعة من هذا النوع من الڤيروس بالتحديد الأمر الذي يتطلب عزل هذا الڤيروس الجديد ومعالجته وكذلك إيجاد الطعوم لحماية الإنسان منه لأنه سيكون احدى الڤيروسات التي ستعيش معنا ويحتاج الى تطعيمات الإنفلونزا سنويا. فصراع الإنسان مع ڤيروس الإنفلونزا صراع أبدي ولا يجب أن نبالغ في خطورة انتشاره لأن هذا الانتشار يتفاوت من ڤيروس إلى آخر كل عام، ولهذا السبب تقوم منظمة الصحة العالمية بعد أن ترصد ڤيروسات الإنفلونزا التي انتشرت في العالم بإيجاد طعم للوقاية ضد هذه الڤيروسات.وهي كما ذكرت متغيرة سنويا ويجب أن يطعم الإنسان سنويا. وإذا ظهر ڤيروس جديد كإنفلونزا الخنازير الحالي يتطلب صناعة طعم خاص به والعملية ليست بالبساطة لأن الڤيروس نفسه له أنماط مختلفة، ويجب صنع الطعم المناسب لهذه الأنماط، علما أن الڤيروس أيضا يتغير من فصل إلى فصل آخر في السنة، وهكذا يسبب موجات من الإنفلونزا قد تختلف عن بعضها البعض ولكن الاختلاف يكون بسيطا. فمضاد الڤيروس الحالي (تاميفلو) علاج حديث ظهر مع إنفلونزا الطيور وهو منتج أصلا من بعض أنواع جذور الكراويا استخرجه الإنسان في الصين، وصارت له فعالية ضد هذا الڤيروس ولا يجوز أن يؤخذ هذا العلاج وقائيا، الا اذا كان الأطباء المعالجون قد أوصوا بذلك لأن الاستعمال العشوائي يمكن الڤيروس من تكوين مقاومة ضد العلاج. فأهم وقاية ضد الڤيروس هو ألا يتعرض الإنسان لشخص مصاب قدر الإمكان ولا حتى يتعرض هذا الإنسان للخنزير المصاب، وأن نحمي أنفسنا بالنظافة وخاصة استعمال المناشف الورقية بدلا من المناديل القماشية، لأن القماشية هي مجال لتكاثر الڤيروس فيه وكل مرة يمسح فيها الإنسان أنفه يضيف جرعة جديدة بالمنديل تنتقل إلى الإنسان الذي يبذل جهدا في تكوين المناعة. فخطورة هذه الإنفلونزا أخطر بكثير مما ترسمه وسائل الإعلام والعبارات المغالية والمبالغ فيها والتي تظهر كمانشيتات في الصحف هي عبارة عن فتنة ويجب الحد منها بكل الوسائل يوميا عدة مرات وكذلك أهمية اتباع وسائل الوقاية ضد هذا المرض بوضع إعلانات في أماكن التجمعات كمراكز العمل والمساجد والمدارس وغيرها. وعلينا أن نركز على توعية الأسرة وتعزيز دورها في حماية أفرادها عن طريق التكرار المستمر والتنبيه في وسائل الإعلام عن أسلوب تجنب هذا المرض. ونؤكد عليهم في جميع وسائل الإعلام خلال اليوم وفي أماكن تواجدهم في المدرسة والعمل والمستشفيات والباصات والمساجد وفي أي مكان يتجمع فيه الناس، علينا توعيتهم بأهمية النظافة والحماية. كما يجوز استخدام الأقنعة الوقائية إذا كان هناك اضطرار للتواجد مع المصاب وضرورة عزل المصابين في بيوتهم وأماكن إقامتهم بدلا من نقلهم للمستشفيات وتعريض باقي المرضى لهذا المرض ويجب أن تقتصر المستشفيات فقط على الحالات الصعبة التي فيها مضاعفات مرضية أخرى. وأحسن مكان للشفاء هو سرير الشخص في غرفته وفي شقته وفي منزله وليس في الشارع أو مكان عمله أو مكان عام. لأن أي تواجد للمصاب مع مجموعة أخرى سيكون سببا في انتقال المرض منه إلى أحدهم عند السلام عليهم باليد التي تكون قد تلوثت عند المصاب.
أكرر على الإخوان أن يرحموا الناس، يكفيهم ما يعانونه من مصائب واتركوا جهات الاختصاص تتصرف حسب خطتها دون ضغوط أو تشويش. وأرجو أن يكف أعضاء مجلس الأمة عن التهديد بالويل والثبور لوزير الصحة الذي أراه يبذل جهدا كبيرا وهو في بداية تحمله هذه المسؤولية فأعينوه على تحمل هذه المسؤولية ولا تسببوا له مشاكل يومية واتركوه مع وزيرة التربية وغيره من الوزراء الذين يشرفون على تجمعات بشرية لكي ينظموا حياتهم، وبدلا من التهديد بالويل والثبور احرصوا على أنفسكم وأولادكم ولا تعرضوهم للإصابة بهذا الڤيروس، واعلموا أن عدد الإصابات بالڤيروس سيكون بالآلاف وستكون هناك وفيات يمكن التقليل منها فقط إذا التزمنا بالنظافة وتوفير العلاج المناسب له. وحفظ الله الكويت من كل مكروه.