د.عبدالرحمن عبدالله العوضي
اسمحوا لي ان عدت مرة أخرى للكتابة عن مغالاة وسائل الإعلام في مشكلة تسرب مياه الصرف الصحي في محطة مشرف وتحويله الى البحر، وقد طلع علينا العديد من مدعي الخبرة في هذه القضية وخوفوا الناس بالأمراض والأوبئة وقالوا.. وقالوا.. من دون ان يشرحوا الحقيقة للناس.
فعلا كان هناك خطأ، والى الآن لم توضح كل من وزارة الأشغال والشركة التي كانت تشرف على المحطة سبب هذا الخلل، فالشركة المنفذة تتهم وزارة الأشغال وأنها سلمت المجاري للوزارة تعمل بصورة سليمة يوم 19/8 وخلال أقل من أسبوعين من تسلم الوزارة لإدارة هذه المحطة حصلت الحادثة وتسربت كميات كبيرة من المجاري وإغراق المحطة وتعطلها عن العمل مما أدى الى فيضان المجاري، الأمر الذي اضطر وزارة الأشغال لتحويل المجاري الى البحر كما هو متبع في حالات الطوارئ منذ اكثر من 40 سنة، ويجب أن نصل في النهاية الى معرفة التقارير التي تحدد المتسبب في هذا الخلل الذي أدى الى هذه الكارثة البيئية، أكان ذلك بسبب المقاول أو سوء إشراف وزارة الأشغال، وعندها فقط نستطيع أن نضع يدنا على المتسبب في هذه الكارثة، وكل ما أرجوه أن يكون عقاب المقصرين شديدا كما ذكر سمو رئيس مجلس الوزراء وألا يكون هناك تهاون معه مهما كان وضعه أو الواسطة التي تحميه، كما أرجو ألا يكون راعي تلك الواسطة من أعضاء مجلس الأمة.
ان زيادة ضخ المجاري من البيوت ليس أمرا مستغربا حيث ان بيوت السكن الخاص تحولت الى بنايات تجارية للتأجير خاصة مناطق السكن الجديدة، سواء أكان ذلك بموافقة البلدية أو بدون ذلك كما هي العادة، وبطبيعة الحال سيزداد حمل المجاري بسبب زيادة عدد السكان في هذه البيوت الجديدة التي أغلبها مخالف للقوانين ولاشتراطات البلدية والصحة والكهرباء.
أود أن أذكر حقيقة مؤسفة وهي ان التصميم الأصلي لمجاري الكويت منذ الأساس كان خطأ حيث ان محطات التنقية موجودة في منطقة أعلى من مستويات المناطق السكنية التي تخدمها وهذا يعني اننا مضطرون لضخ المجاري ميكانيكيا لهذه المحطة، في حين انه في جميع دول العالم تنشأ محطات التنقية في منطقة «أوطى» بالنسبة لبيوت السكن حتى تنساب المجاري بفعل الجاذبية الى محطة التنقية بسهولة دون الحاجة الى مضخات كبيرة تحتاج الى ضغط عال، وأصبحت هناك حاجة لمعالجة هذا الوضع الغريب بأن تبنى محطات ضغط كبيرة لضخ المجاري الى محطة التنقية والتي احداها محطة مشرف، وقد حاولنا بطرق عديدة ومنذ اكثر من 40 سنة ان نجد لهذه المشكلة حلولا ناجعة ولكن لم نستطع حتى الآن، ولو انقطعت الكهرباء عن محطات رفع المجاري الى التنقية لغرقنا في مجارينا.
هذه المشكلة أزلية وإعادة التصميم شبه مستحيلة، ومثل هذه الحالة تدعونا الى وجود مخارج طوارئ تقذف من خلالها مياه المجاري الى البحر في حالات الطوارئ وهذا متبع في كثير من الدول وقد عجزنا عن إقناع وزارة الأشغال والبلدية والموانئ على مدى 30 سنة بإنشاء مجاري طوارئ ومدها الى البحر لمسافة لا تقل عن 3 كيلومترات، حيث المياه العميقة التي تستطيع استيعاب هذه المياه لفترة قصيرة بدلا من قذفها على السواحل من خلال مجاري الأمطار التي تسبب تدمير البيئة على هذه الشواطئ، وهذه البيئة عادة ما يكون توازنها دقيقا وأي اضطراب لهذا التوازن يضر بجميع الكائنات الحية في المنطقة بجانب اي من مستخدمي هذه الشواطئ للنزهة والترفيه.
ومثل هذه الأمور يجب ألا تسبب كل هذه الضجة، بل يجب أن نتعاون مع المسؤولين في ايجاد الحلول المناسبة ثم تأتي المحاسبة بعد ان نعرف مسببي هذه الكارثة، فالوزراء والمسؤولون الحاليون يحاسبون على تقصيرهم في عدم التأكد من عمل المحطات قبل تسلمها وإعداد الفريق المناسب لتشغيلها، ولكن لا يجوز ان نلقي عليهم اللوم بسبب إلقاء مياه المجاري في حالة الطوارئ الى البحر لأنه لا بديل لذلك في الوقت الحاضر، بل يجب ان تلام جميع الحكومات التي لم تتصد لإصلاح هذا التصميم الخاطئ على مدى الـ 40 سنة الماضية بإنشاء أنابيب طوارئ تصل الى داخل البحر في المياه العميقة حتى لا يتكرر مثل هذا التلويث لشواطئنا بسبب ضخ مياه المجاري الى البحر بهذه الصورة، لأن هذه المياه تحتوي على مغذيات تعيش عليها الطحالب والأحياء البحرية الدقيقة والتي تكون مجالا خصبا لنموها والتسبب في حدوث ما نسميه بالمد الأحمر الذي هو نوع من الطحالب السامة والتي تقتل الأحياء البحرية والبعض من سمومها يقاوم الحرارة ويمكن ألا يقضى عليها باستعمال الكلورين عند شفط المياه المستعملة في التحلية، ولكن ولله الحمد ان هذا النوع من السموم نادر.
فلتكن فرصة ان أوكد مرة اخرى، رغم انني طالبت شخصيا على مدى 40 سنة بضرورة وجود مخارج للطوارئ الى المناطق العميقة، ان نطالب بقوة هذه المرة بأن ترصد الميزانية اللازمة لإنشاء مخارج الطوارئ هذه وأن نتجنب إنشاء محطات تنقية المجاري في مناطق أعلى من المناطق السكنية عند تنفيذ مشاريع إسكانية وحضرية في المستقبل وغير ذلك من انشطة والتي تخرج منها مياه صرف صحي.
مرة ثانية أرجوكم يا إعلام.. يا أعضاء مجلس الأمة اتركوا الناس يعملون وساعدوا الناس على انجاز عملهم بدلا من التهديد والوعيد، وحاولوا ان تصبروا على الحكومة حتى تكتشف السبب الرئيسي لهذه الكارثة وان تتفادى ذلك في المستقبل في جميع محطات الرفع الرئيسية بدلا من التهجم والصراخ وعرقلة العاملين، حيث يجب التعاون بصورة هادئة وعلمية للتصدي لهذه الكارثة التي نحن بصددها، وعسى الله ان يكون في عون الكويت من أبنائه.