في كل مكان وزمان، تبدأ وتنتشر موجات يسايرها الناس، ويتلقفها سريعا الشباب الذين هم في العادة يحبون المغامرات وركوب الموجات العاتية والطيران في الآفاق.
عرفنا من تلك الموجات طوال اعمارنا موجات كثيرة مثل موجة موضات الملابس التي نرتديها، وموجة تصفيف الشعر الذي نقصه، وموجة سماع اغان معينة بألحانها المختلفة، وموجة استخدام ألوان وديكورات واثاث منازلنا، وموجة التواصل العالمي والانفتاح على الغير، وموجة الصحوات العروبية والقومية والاسلامية المغلقة، حتى وصلنا الى موجة استخدام وسائل «التكنولوجيا» الحديثة، مثل استعمال الهواتف النقالة، ومواقع «الكمبيوتر والتويتر وفيس بوك واليوتيوب» وغيرها من الموجات الكثيرة، التي سايرناها وركبناها ومشينا في دهاليزها ودروبها.
آخر تلك الموجات كانت موجة الاحتجاجات والتظاهرات التي نعيشها كلنا هذه الايام، بدأت من تونس ثم القاهرة حتى انتشرت بعدهما سريعا الى اقطار اخرى كثيرة كالنار في الهشيم، ولا ندري الى اين ستوصلنا في نهاية المطاف؟!
من المؤسف استغلال هذه الموجة من قبل بعض المنتفعين لتعريض امن بلادهم للخطر، وحكوماتهم الآمنة للمواجع، كما حصل في الشقيقة مملكة البحرين، وكما يحصل حتى عندنا في الكويت من بعض غير محددي الجنسية، دون حساب عواقبها الوخيمة في الاستقرار المطلوب، في زحمة التهديدات الخارجية البعيدة والقريبة والتي تحيط بنا من كل صوب!
ركوب الموجة سهل والاسهل منه التفرج عليها ولكن الصعوبة تكمن في اذا لم ندرك عواقبها والى اين تنتهي والى اين تسير بنا، وماذا يوجد تحت زبدها المؤجج من غير ان ننتبه الى سلامة الأوطان والمواطنين!
صدق النوايا وحده لا يكفي لركوب الموجة، اذا لم نأخذ حذرنا ونضع في الحسبان اولئك المندسين الذين هم في العادة يدسون السم في العسل، ويشعلون فتيل الفتنة، لأجندتهم الخاصة، وليحترق الاخضر واليابس لا يهم وبعدها لا يفيد الندم!
المطالبات المشروعة بالنوايا الصادقة مطلوبة، ولا اعتراض عليها اذا جاءت بحذر شديد وعن طريق القنوات المتاحة ولكن المحافظة على ثوابت الامم والوحدة الوطنية ومنجزات الشعوب وارواح وسلامة البشر، والمكاسب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لا تكون بإقصاء الآخرين دون اثبات الحقائق، لأن المطالبات المشروعة لا تعني بأي حال من الاحوال، التخريب المتعمد او حتى المساهمة فيه وتأجيج المشاعر من قبل المتحزبين وايضا من المفكرين الذين من المفترض فيهم استخدام الفكر ليكونوا اكثر تعقلا، وغيرهم من المؤزمين الذين يستغلون ركوب موجات الاحتجاجات لا يظهرون الا في اللحظات الاخيرة ليسوقوا اطروحاتهم الايديولوجية حسب الحاجة، ويكونون في الصدارة، وفي هذا اجحاف بحق الصادقين، ويجب اعادة النظر في نواياهم الخبيثة.
الموجات الهادئة السابحة بهدوء الهواء العليل، تسعد الانظار وتعمق المشاعر المتبادلة، أما الموجات العاتية الهادرة بقوة التيارات المسيرة، فهي كموجات «السونامي» تدمر وتلحق الاضرار، وتسبب الكواثر، وعلينا ان ننتبه الى ذلك، والا نصغي للآخرين لركوب الموجات حسب اهوائهم، وعلينا ان نصغي فقط الى انفسنا وذاتنا والى ضمائرنا، وحقائقنا، ومصالحنا، وثوابتنا، درءا للفتن والدمار الذي لا تحمد عقباه.
من المفارقات العجيبة المضحكة الباكية والتي نشهدها بعد تنامي نجاح موجة الاحتجاجات في مصر وتونس نرى الدول الكبرى الديموقراطية باتت تتدخل في شؤون الآخرين، حالها حال الدول القمعية، علنا وجهرا، وهي التي كانت اجهزة مخابراتها تتدخل في شؤون الآخرين، سرا وبالخفاء.
كما بدأنا نشهد تلك الأنظمة الشمولية الفاسدة تحسس على رؤوسها وتقدم التنازلات تلو الاخرى للمتظاهرين لتبقى، واخرى تقمع المتظاهرين لتبقى، وكل تلك الانظمة تقول: ها نحن هنا في خدمة الشعب والجميع صادق ومحق، بين فرح وتصفيق وبين دماء ونحيب، والجميع لا يدري الى اين تسير الامور؟!
وبدأنا نشهد ايضا عند خروج المظاهرات الاحتجاجية ضد نظام ما خروج مظاهرات اخرى مؤيدة للنظام تطوف الشوارع بقدرة قادر وتهتف وهي التي لم تخرج يوما بمظاهرة «حاشدة» واحدة تأييدا للنظام العتيد في ايام الهدوء!
عندما كنت أدرس في «كاليفورنيا» الولاية الاميركية الجميلة وانا بشبابي وقوتي البدنية اتيحت لي فرص كثيرة ولم استغلها، منها ركوب الامواج العالية على الشواطئ الجميلة، فاستأجرت لوح التزلق ولم اركب الموجة، ومنها ان اطير من الفرح وانا حر، بركوب الطائرة الشراعية، فتسلقت اعلى قمة الجبل، ولم استأجرها، كنت حذرا رغم اندفاعاتي الكثيرة وانا اجرب حظي في كل شيء، وكأنني عرفت يومها معنى ركوب الموجة، ومعنى الطيران في الافق المجهول!