حين ترفرف حمائم السلام بأجنحتها الناصعة البياض في السماء الزرقاء بلون النقاء، تسحر الألباب قبل الأنظار، وتحرك الأفكار ليكون الاختيار هو الالتئام بروعة السلام!
وحين تدوّي مدافع الطغاة بالنيران الحارقة وطلقات الرصاص القاتلة من كاتم الصوت، ترتفع الأصوات عاليا وتقول: تبا للطغاة!
في كل عام من أعوام عمر الإنسان، هناك ذكرى حميمة، وذكرى أليمة يحتفظ بهما الإنسان لنفسه وبنفسه، أو هكذا اعتدنا عليها، وبقينا على حالنا وأحوالنا، في مكانك راوح، ولم نخطُ خطوة الى الأمام!
إلا ان عام 2011 أصبح عاما مميزا في عمر الإنسان، وخارج المألوف، لأنه أصبح محفورا في ذاكرة الشعوب، بمجملها، لا في حدود ذاكرة الأفراد وحدهم، وأصبح ايضا كل من عاش في هذا العام، انسانا محظوظا لأنه رأى فيه أشياء لم يرها من قبل طوال حياته التي عاشها، والتي لم يتوقعها إطلاقا، ليشمله من حيث لا يدري، ومن حيث تسارع الأحداث والمتغيرات وأهميتها!
في هذا العام وبنهايات الشهر الماضي، توّج خادم الحرمين الشريفين، العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز المرأة السعودية بمكرمته الأبوية حين أعطاها حقها الانتخابي كاملا في المجالس التشريعية، في بادرة سامية لم يكن يتوقعها المراقبون، بأن تحصل في مجتمع محافظ كالمملكة، فكان انتصارا ساحقا للمرأة السعودية والعربية عموما وفي كل مكان!
وفي هذا العام ايضا، وفي بدايات هذا الشهر، كان القدر يقف مع الزميلة توكل عبدالسلام كرمان، المبدعة والكاتبة والشاعرة ورئيسة صحافيات بلا حدود، والمشاركة في معظم الأنشطة السياسية والاجتماعية والقانونية في وطنها، وهي ابنة أبيها رجل السياسة والقانون المعروف، والزوجة والأم التي وفقت بين البيت والساحة!
توكل.. نالت وباستحقاق جائزة نوبل للسلام وهي أرفع أقسام الجائزة، لتتوج كأول امرأة عربية تمنح شرف هذه الجائزة العالمية، مع امرأتين اخريين رائعتين هما رئيسة ليبيريا ألين جونسون سيرليف ومواطنتها الحقوقية ليما غبواي، اللتان حققتا لبلادهما ما عجز عن تحقيقه الرجال، وكان انتصارا مشرفا للمرأة اليمنية العربية والأفريقية في كل مكان!
قبل هذين الحدثين المهمين، وبينهما وبعدهما رأينا كيف أمطرت السماء العربية بخيراتها مبكرا، وجمّلت أجواءها نسائم الربيع العربي، الذي جاء مبكرا قبل أوانه، لينبت أعشابا طرية خضراء، عروقها راسخة في الأرض لصون العرض، وعلى أوراقها الندية حبات الندى، تغسل اثم التقاعس، وعرق الخوف المنساب على الأجساد المترددة، وتمسح بحنانها على الجباه الشامخة، حتى تظهر على حقيقتها، لتقف بالمرصاد أمام طغيان الطغاة المستبدين، من الذين ورثوا وأورثوا الحكم والظلم، بحكمة العبودية، الطاغية، فملكوا البلاد والعباد، واستولوا على المال والحلال بكل الطرق المحرمة شرعا وقانونا، حين حصروها وحصروا أنفسهم في الحزب الواحد، والعائلة الواحدة، ليكون وطن الجميع وطنهم وحدهم، دون سواهم!
ورأينا ايضا في الربيع العربي ورودا كثيرة، بألوان القوس قزح، وروائحها الذكية النقية بعبق الأطياب، وأحجامها المختلفة بأحجام الساحات، وكان للمرأة العربية منها نصيب!
المرأة العربية وربيعها، كانت تلك الأم الحانية بغريزتها، والصارمة بعزتها، والتي دفعت بابنها ليصرخ محتجا على الظلم والظلمات، وليكون شاهدا أو شهيدا، وكانت تلك الأخت المخلصة التي حمت أخيها لتخفيه عن أنظار المخابرات العسكرية والبلطجية وشبيحة النظام، وكانت تلك الابنة الوفية التي أنصتت لكلام أبيها وأطاعته لتكون مشاركة في الحق والعدالة، وكانت تلك الزوجة النقية الطاهرة التي عاهدت الله على ان تربي أبناءها وبناتها على السمع والطاعة وعلى الصراط المستقيم، وتزرع فيهم منابت النقاء والوفاء والولاء للوطن والإنسان أينما كانا.. المرأة العربية حركت المياه الراكدة لتكون بحجم الطوفان!
أما الطغاة، فقد صاروا يخشون من نعومة المرأة العربية، كما كانوا يخشون من جبروت الرجال في الساحات الثائرة، لا يفرقون اليوم بين المرأة والرجل، وبين الشيخ والطفل، لأنهم كلهم أصبحوا يصنعون التاريخ العربي الجديد في القرن الواحد والعشرين، بدءا من 2011، ويشاركون في كل المستجدات الإنسانية!
الزميلة توكل عبدالسلام كرمان، كانت رائعة كما روعتها دائما وأبدا، حين أهدت فوزها الكبير، في يوم الجمعة المباركة الى شباب كل الثورات العربية، والى المرأة العربية، فهتفت الحناجر بعد أداء صلاة الجمعة، بالتهاني والتبريكات، واستبشرت خيرا، وصمتت تلك الحناجر المخنوقة، حين شعرت بالهزيمة، وحست بخيبة أمل.. حينها عرفت لماذا يكرهون الطغاة أيام الجمع!
المرأة العربية لم تكن أقل شأنا من غيرها في البلدان الأخرى، بل كان شأنها اكثر أهمية، ضمن خصوصيتها وخصوصية محيطها ونشأتها ووضعها الاجتماعي المحافظ ونظرة العالم اليها!
يأيتها المرأة العربية، عليك السلام، ولك السلام، ومنك السلام.
ويأيتها الزميلة «توكل» فقد توكلت على الله، وأقدمت على ما أقدمت عليه ففزت بجائزة السلام، وتوكلنا نحن ايضا على الله، وتابعنا وكتبنا ورسمنا، وفزنا بك لأجل السلام.. والسلام!