يقول الفيلسوف الإنجليزي ستيفن مختصرا لنا البعد الأخلاقي والسلوكي للكذب: «ليست جميع الخطايا إلا كذبا» ولو نظرنا إلى أصل المشاكل جميعها لوجدنا ان معاول الهدم في المجتمعات ـ سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أخلاقية ـ لا تخرج من عباءة الكذب، وكما جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم «كبرت خيانة ان تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق، وأنت له كاذب».
ولقد ابتليت الشعوب والأمم بما يسمى بـ «كذبة أبريل» أو كما يسميها الفرنسيون «كذبة نيسان» وابتدأت تلك الكذبة لدى الشعوب الأوروبية قديما، كما يرجح البعض انها وجدت منذ القرون الوسطى في الغرب، وجرت عادتهم على ان يكون لهم مزاح عملي في أول ابريل، فيرسل بعضهم لبعض الهدايا الكاذبة، أو يذيعون أخبارا ليس فيها شيء من الصحة لكنها للضحك والمزاح، أو ما نسميها في اللهجة العامية «دقات» وقد اختلف الناس في منشأ هذه العادة اختلافا شديدا أقربها للصحة ان بلاد أوروبا قديما أخذت هذه العادة عن فرنسا، ويقال ان الملك شارل التاسع في عام 1564م أعلن ان العام الميلادي يجب ان يبدأ بأول يناير بدلا من أول أبريل كما هو متبع في فرنسا وجعل ذلك التاريخ يوم رأس السنة، فلاقى هذا القرار مقاومة من بعض الفرنسيين وظلوا يحتفلون برأس السنة في أبريل كما هو معتاد، فسخر الناس من أولئك المحافظين وأخذوا يرسلون إليهم بهدايا سخيفة، ويعلمونهم بأخبار ملفقة كاذبة في كل أول يوم من أبريل وكأنهم يحتفلون معهم
بيومهم هذا على هذه الطريقة الساخرة المضحكة، وتقبل معظم الناس في أوروبا اعتبار يناير أول
أيام السنة لكنهم تمسكوا بولع بيوم كذبة ابريل
وجعلوا منه يوما تقليديا شمل جميع بلدان أوروبا، والغريب اننا في بلادنا العربية وفي مجتمعاتنا
الشرقية عامة تمسكنا به أكثر من الأوروبيين أنفسهم ولم يقتصر الأمر على اختراع الكذب بين آحاد الناس وفيما بينهم، بل وصل الأمر فينا الى ان نخترع الكذب بصورة أشبه ما تكون بالرسمية، حيث تعلن بعض الصحف عن أمر معين تجعل الناس يضطربون ويقلقون ويتناسون ان الأمر لا يتعدى أكثر من سخرية أو كذبة.
والخطورة في هذا الأمر هو التلاعب بعقول الناس ومشاعرهم وإرباكهم بصورة تخرج عن إطارها كمزحة أو دقة.
ولا شك في ان مثل هذا الأمر غير مقبول عند عموم الناس، وله آثاره السلبية على الفرد وعلى المجتمع، خاصة ان من تنطلي عليه الكذبة يعتبرونه مغفلا أو أحمق أبريل، والناس لا يرضون بان يوضعوا مواضع المغفلين والحمقى، وأتذكر ان العام الماضي روجت كذبة ابريل في السعودية ووصلت الى دول الخليج العربي مفادها وجود مادة الزئبق الأحمر في ماكينات الخياطة من نوع سنجر القديمة، فذهب كثير من الناس يبحثون عن هذه الماكينات في كل مكان وبيعت بأسعار خيالية في بعض مناطق المملكة، فأي مزحة مضحكة في هذا الموضوع؟
والحمد لله ان هذه الكذبة لم تصل الى ترويج إشاعات عن وقوع حروب أو كوارث أو حرائق أو... كما حدث في أميركا في أبريل عام 1933م عندما نشرت جريدة «ماديسون كابتل تايمز» حينذاك عن انهيار مبنى الكونغرس الأميركي بسبب انفجارات غامضة، وإضافة الى هذا الخبر نشرت الجريدة صورا مركبة للمبنى وهو ينهار، وقد أصيب الأميركيون بذعر وخوف شديد واضطرابات والنهاية كذبة ابريل.
اما البعد الأخلاقي والديني لهذا السلوك فيتمثل في ان ذلك السلوك وان قبله البعض يرفضه العموم هذا على مستوى الأفراد، ناهيك عن مستوى المجتمع فلابد من إيقاف هذا التدهور السلوكي المضر بالمجتمع حتى لا يستفحل الأمر ويخرج عن إطاره التقليدي الى أعظم منه، وديننا يمنعنا من ان نتخذ الكذب وسيلة لإضحاك الناس والتندر بهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم، ويل له، ويل له».