عبدالوهاب الفهيد
يملك الإنسان في العادة ثلاثة أمور يفطر عليها هي: القدرة، والإمكانات، والمواهب، فكل إنسان لديه هذه الأمور، ولكنها تختلف من شخص الى آخر، حسب استغلال كل منهم لتلك الخصائص التي منحها الله تعالى للبشرية.
فمن استطاع ان يستغل تلك الأشياء بصورة صحيحة وعملية يصل الى ما يطمح إليه مهما بلغ الأمر، ولكن معظم الناس تتحطم عندهم تلك الآمال والطموحات على صخرة الأسرة المتهاوية أو التعليم الرديء أو البيئة الضعيفة أو البرمجة النفسية القاتلة، فكل تلك الأسباب تقتل الطموحات وتبلد القدرات والإمكانات، وتجمد المواهب والابتكارات!
فمعظم المربين - معلمين وآباء وأمهات - ينشغلون بمراقبة الناشئ ومتابعته وتلقينه بعض الآداب السامية والعادات الطيبة، ويهملون الجوانب الأخرى كالجانب النفسي والعقلي والبدني، وفي الحقيقة فإن هذه الجوانب مهمة في حياة أبنائنا، فرب كلمة أوصلت سامعها الى القمة، حيث ان الكلمة لها مدلولاتها المعنوية والنفسية إذا انطبعت في الذهن، وتشربتها النفس.
فتبدأ صناعة الطموحات من الاهتمام بتلك الجوانب النفسية والعقلية ومن يقرأ في سير العظماء والنبلاء والنابهين يقف على حقيقة سافرة هي تأثرهم الشديد بكلمة قالها والد أو أم أو صديق أو زوجة أو معلم في المدرسة.
فالسلطان محمد الفاتح - أعظم سلاطين المسلمين - فتح القسطنطينية بعدما عجز عن فتحها المسلمون ثمانية قرون تتابعوا على حصارها من زمن الصحابة رضوان الله عليهم الى زمانه.
فقد سمع من شيخه محمد بن حمزة الدمشقي الملقب بـ «شمس الدين» واحد أعلام المسلمين في وقته - كلمة فجرت في نفسه طموحات كبيرة، ورغبات عظيمة حتى انه جمع آلاف المجاهدين في سبيل الله ووجههم وتوجه معه الى القسطنطينية، وما برح حتى فتحها بإذن الله تعالي، وقد واجه من الصعوبات الشيء العظيم من ذلك إغلاق البيزنطيين مدخل القرن الذهبي البحري المؤدي الى شواطئ القسطنطينية، فقام السلطان الفاتح بنقل أكثر من سفينة حربية عبر الطريق البري الذي يبلغ طوله مسافة ثلاثة أميال، ولم تكن الأرض مبسوطة سهلة بل فيها من التلال والأراضي غير الممهدة، ومع ذلك استطاع ان يصل الى الشواطئ، ويحطم جميع القوى الطبيعية وغير الطبيعية لهذه المدينة الحصينة المنيعة، وصول الى ما يريد لأنه وجه رغبته كليا الى هذا الحدث فتحقق له ما يصبو إليه.
فهل ندفع بأبنائنا الى غرس الإيجابية في نفوسهم وعقولهم وتوجههم الى الخير، والى العمل السليم، حتى نثمر إنسانا قويا طموحا ناجحا في حياته.
الأمر يحتاج الى صُناع مخلصين لصناعة الطموحات، فما عاد الأمر مجرد تكسير مجاديف أبنائنا وتحطيمهم معنويا بكلمات وردود أفعال، أشبه بجلد الطفل الرضيع لتربيته وتقويمه.