عبدالوهاب الفهيد
كان لحدث اغتيال بينظير بوتو وقع شديد وردود أفعال معاكسة على الساحة السياسية محليا وعالميا.
وكان هذا الحدث غير متوقع، وإن كانت المؤشرات جميعها تدل دلالة تامة على ان اغتيالها قد يحصل في أي وقت.
بل ان بينظير بوتو نفسها ذكرت في رسالة إلكترونية كشفتها وسائل الإعلام الأميركية عن تخوفها من ان يقع لها مكروه لضعف الحماية التي خصصت لها من قبل الحكومة الباكستانية وانها تحمّل الرئيس مشرف المسؤولية إذا وقع لها أي شيء.
كل هذه المؤشرات كانت تشير الى ان حياة تلك المرأة في خطر، بل ان المخاطر تحيط بها منذ وصولها الى بلدها، وازداد خطر وضعها باقتراب موعد الانتخابات.
فمنذ ان وصلت الى بلدها كانت هناك ثلاث محاولات لاغتيالها لم تنجح في إصابتها، حتى وقعت المحاولة الرابعة التي قتلت فيها في أقل من شهر.
والبُعد الذي شدني كمتابع لهذا الحدث ان المرأة تسير نحو حتفها كما خطه القدر الذي كتب عليها.
وكثير من المتابعين للساحة السياسية الباكستانية عجبوا من إصرارها على تخطي جميع الصعاب والمخاطر لتصل الى بلدها وتخوض التجربة الثالثة لانتخابات الرئاسة على الرغم من ان هذه التجربة كانت تدفع حياتها ثمنا لها وهي تعلم ان موقفها هذا قد تفقد فيه حياتها.
وهي ليست الوحيدة في عائلة ذي الفقار علي بوتو التي دفعت حياتها ثمنا للطموحات السياسية في باكستان.
فوالدها - الرئيس السابق - تم إعدامه من قبل الرئيس ضياء الحق عام 1979م بعد الانقلاب عليه، وبقيت هي تحت الإقامة الجبرية الى ان استطاعت الخروج من باكستان، ثم عادت بعد اغتيال ضياء الحق، وخاضت الانتخابات عام 1988م وفازت برئاسة الوزراء ثم واجهت بينظير بوتو عدة تحديات ومشكلات اقتصادية كان زوجها «آصف زار داري» - العضو في البرلمان - طرفا فيها، حيث كشف خصومها العديد من قضايا الفساد وسوء استعمال السلطات، مما أثر على حكومتها وتم إسقاطها عام 1990م وبعد ثلاث سنوات استطاعت العودة الى السلطة بعد فوزها بالانتخابات عام 1993م ثم أسقطت حكومتها عام 1996م بعد تجدد الاتهامات لزوجها بالرشوة والفساد والدخول في علاقات مشبوهة، وعادت بينظير بوتو الى منفاها، والغريب ان شقيقها الأكبر «مرتضى بوتو» قد خاض التجربة السياسية بعنف بعد إعدام والده حيث فر الى أفغانستان الشيوعية حينذاك، ثم قاد جماعة مسلحة تحت اسم «ذو الفقار» ضد حكم ضياء الحق في الثمانينيات ثم عاد الى باكستان بعدها ليقتل بالرصاص في ظروف غامضة لم تعرف، وذلك عام 1996م.
وعلما ان لبينظير شقيقا أصغر منها «شاهنواز» وله نشاط سياسي - ربما يكون فكريا - فقد عثر عليه ميتا في شقته بفرنسا عام 1985م في ظروف أيضا غامضة، وبموت بينظير يكتمل فرط عقد عائلة بوتو السياسية من حياة باكستان.
ومن الأمور العجيبة ان بينظير ترى نفسها ابنة القدر في كتاب ألفته عام 1989م وهي بالمنفى تتحدث عن حياتها الخاصة والعامة بعنوان «ابنة القدر» وكأنها ترى مصيرها أمامها وهي تحث الخطى مسرعة إليه.
فالأقدار ليست لها بنات فهي مقادير تجري علينا قدّرها الباري تعالي، ولعلنا نعتبر بتلك المرأة التي تركت ثرواتها الطائلة ومكانها الوثير في المنفى لتقدم على مصاعب وعثرات ودماء مضرجة، فلا هي فازت بحياتها السياسية ولا بحياتها وثرواتها. فهل من مدكر؟!