عبدالوهاب الفهيد
في شهر أغسطس من كل عام لنا ذكرى مؤلمة ومحزنة وفي الوقت نفسه مضحكة مبكية، اما ما يؤلم ويحزن فيها فهو ما فعله العراق بقيادة المقبور صدام وحزبه البائد، واستباحته ارض الكويت (أرض جيرانه) وفعل بها ما فعل من الأفاعيل الدنيئة التي تنم عن حقد دفين في نفس الطاغية وأتباعه.
أما المضحك المبكي فيما حدث في الكويت فهو ان صدام ألقى بجيشه العرمرم الذي اراد تحرير الأقصى وفلسطين من خلال الكويت لكن عربته توقفت في الكويت معلنا ان الكويت هي المحافظة التاسعة عشرة للعراق، وما أضحكنا كثيرا هو ما سمعناه وعرفناه في تلك الفترة البائسة التي وطئت فيها أقدامهم أرض الكويت الطاهرة.
وسمعنا قصصا يندى لها الجبين وأشبه بأساطير ألف ليلة وليلة.. من هذه القصص ان صديقا لي اسمه «ضيف الله» بعد شهر من الاحتلال العراقي خرج من بيته قاصدا الوفرة ليتفقد حلاله (الغنم) في مزرعته، وأثناء قيادته السيارة متنقلا بين المزارع ليتحاشى السيطرات العراقية (التفتيش) فوجئ بسيطرة بين المزارع ورأى الجنود العراقيين شاهرين أسلحتهم في وجهه ثم تقدم أحدهم وقال له: عندك جكاير (سجائر) فرد عليه: لا فجاء آخر وقد شهر السلاح في وجهه وقال له: أنت كويتي قال صاحبنا: نعم، قال الجندي: قول أنت ازمال (أي حمار في اللهجة العراقية) فرد صاحبنا: لا يا معود أنت خوش رجال، فصرخ في وجهه الجندي: قول انت ازمال، والا قتلتك هسة فقال: صاحبنا مرغما مكرها: انت ازمااال، فقال الجندي: تدري ليش انا ازمال؟ فقال: لا، فقال له: انا اقلك (أقول لك) لما قامت الحرب بيننا وبين ايران اخذوني مع الجيش وخرجنا في الاسبوع الأول ثم اسرنا ولم نطلق رصاصة واحدة، وبقينا بالأسر عند الايرانيين ثمانية اعوام، ثم افرج عنا ورجعنا الى بلادنا، وما ان دخلت (البصرة) حتى توجهت الى بيتي، وقرطت الباب فخرج رجل غريب يتكلم اللهجة المصرية فقلت له: منو أنت؟ فقال: انا صاحب البيت فصرخت بوجهه: انت صاحب البيت، وين زوجتي وين اهلي، اطلع هسة من البيت، ثم انني ظننت انه حرامي استولى على بيتي فذهبت الى مخفر الشرطة اشتكي للضابط، فاستدعى الضابط على الفور الرجل المصري فجاء ومعه امرأتي فما ان رأيت الرجل وبجانبه امرأتي (زوجتي) حتى فار غضبي وكدت أقتله في الحال، فتدخل الضابط واستفسر من الرجل والزوجة عن القصة فأفهماه انني كنت قد دخلت الحرب وانني قد قتلت، والقانون ينص على ان كل من يتزوج زوجة اسير يأخذ البيت وأهله، ثم قام الضابط وصرفهما بهدوء وقال لي: هدي يا معود شفيك زعلان هسة نحل مشكلتك انت ضيفنا اليوم ثم جاء رقيب فقال له الضابط: خد معك هذا الرجل وتوصى به فخرجت معه وركبت الشاحنة وتوجهنا الى منطقة (الزبير) ونزلت فاذا هو معسكر للجيش وقد اكتظ بالجنود فقال الرقيب مناديا بعد ان صففنا بالطابور: من يعرف يستعمل السلاح (الكلاش) فقلت: انا سيدي فقال: خوش تعال هنا فوقفت مع مجموعة من الجنود وصعدنا بالشاحنة وتوجهنا الى الكويت ثم افرزوني الى هاي السيطرة، وصار لي الآن اكثر من شهرين هنا، هسة انا مو أزمال؟ فقلت والله انت ازمال مثل ما قلت وأكثر.
هذه القصة تدل على العقلية التي تدار من قبل شخص واحد لذلك الوطن وذاك الشعب الذي استسلم لهذا الطاغية فسلب منه حقوقه وكرامته، وأي كرامة لشعب له تاريخه العريق ان تسلب كرامته بهذه الصورة المهينة.
وكما يقول الشاعر العراقي احمد مطر:
نـحــن الــوطـن
إن لم يكن بنا كريما آمنا
ولــم يـكــن محــتـرمــا
ولــــم يـكـــن حـــــــرا
فلا عشنا.. ولا عاش الوطن