عبدالوهاب الفهيد
في الأسبوع الماضي تابعت البرنامج المميز الذي يعرض على قناة lbc ويقدمه الإعلامي المميز مالك مكتبي «أحمر.. بالخط العريض» وكان موضوع البرنامج عن الانتحار وكان العنوان جذابا ومثيرا «الانتحار صرخة إغاثة أم صرخة احتجاج» وقد استضاف البرنامج بعض الشباب والشابات ممن حاولوا الانتحار عدة مرات قد تصل من بعضهم الى ثماني مرات علما ان محاولاتهم مازالت قائمة.
ومن أبرزهم شاب سعودي كان يطمح الى ان يكمل دراسته الجامعية ويعمل في الفترة المسائية ليعول نفسه، لكنه اصطدم بعدة معوقات حالت بينه وبين تحقيق آماله وطموحاته فلجأ إلى الانتحار أكثر من سبع مرات، ويصرح بأنه سيعيد المحاولة اذا لم يتحسن وضعه كما يريد هو.
ومن المفارقات انه كشف عن وجهه وعن شخصيته وصرح بأنه لا يخاف من مواجهة الناس بمشكلته لأنه لا يخاف الموت فمن باب أولى الا يخافهم، علما ان وضعه العائلي أكثر من طبيعي وكان يتحدث الى معد البرنامج والى المشاهدين بطريقة طبيعية لم تختف الابتسامة عن محياه، وكان يردد ان هذه الابتسامة أخفي وراءها ما أنا فيه من تعاسة وإقدام على الانتحار، وهذا ما أملك ان أقدمه لنفسي امام الناس.
وبعيدا عن اللمحة الإنسانية الراقية من الأمير تركي بن بندر آل سعود، حيث انتشله من هذا الضـــياع وهيأ له سبل الحياة، وضمن له العـــــمل وإكــــمال دراســـته وبــــذلك قــــطع عليه طــــريق الانتــــحار، فإن هذا الموضوع بهذا العرض وبتــــلك الصــــورة يجسد المـــــلامح الحقـــــيقية لدوافع الانتــــحار، فأكــــثر الناس عـــندما يسمـــع او يــــقرأ عن حوادث الانتحار يجهل العوامل والدوافع الحقيقية وراءه، خــاصة نحن في مجتمعات عربية وإسلامية تحمينا قيمنا وعاداتنا وتعاليم ديننا الحنيف من ان نلجأ الى أسلوب مواجهة مشكلات الحياة والهروب منها بهذه الطريقة السيئة، وهذا البرنامج المميز يفصح عن تلك الدوافع بما يقدمه من محاور تمس جوهر هذه القضية، واعتقد ان الانتحار في مجتمعاتنا العربية له فلسفته وغايته والتي قد يعيها الذي يقدم على الانتحار او لا يعيها، ولكن في النهاية له غاية وفلسفة.
ان الانتحار مرتبط بعوامل اجتماعية تأتي مفسرة لهذا الفعل كما هو في حالة الشاب السعودي او الفتاة التي استضافها البرنامج بمحاولاتها الثماني للانتحار بسبب تخلي والديها عنها وعن أختها ومعاناتهما الوحدة والتشرد من بيت العم الى بيت العمة والقسوة عليهما بصورة سافرة وهذه العوامل الاجتماعية المسببة لحالات كثيرة من الانتحار، تأتي في صورة صرخة استغاثة وطلب مساعدة من المنتحر الى عموم المجتمع لأن الشخص الذي يحاول الانتحار يعطي المجتمع اشارات تحذيرية بأنه غير قادر على الاستمرار في الحياة ويرغب بالتخلص من حياته على الرغم انه في الحقيقة غير راغب في ذلك، فالفرد هنا يحتاج بالفعل الى مساعدة المجتمع نتيجة إحساسه بالعدوانية الخفية التي تجتاح نفسه، او يقدم على الانتحار احتجاجا على ما يمارس في حقه من امتهان كرامته او اغفال دوره في المجتمع او فـــــي الحياة او لمعاقبة شخص ما يحبه او يـــــكرهه، لأنه سبب معاناته فيشعر انهم مذنبون في حقه وبذلك يجب ان يتحملوا الذنب.
والحقيقة المرة ان غالـــبية مجـــتمعنا ـ رغم ما يســـوده من تماسك اجتماعي شكلـــي ـ مـــفكك من الداخل ويعاني التمزق والتشرذم بين أفراده نتيجة انحطاط النظرة السائدة للفرد سواء كان صغيرا او كبيرا ذكرا او انثى، ونتيجة ايضا لعدم اشباع حاجات الفرد التي لابد منها، فالفرد محتاج الى اشباع حاجته الشخصية والتربوية والاجتماعية والمهنية، فلو اشبعت حاجاته المختلفة لما فكر في ان يكون الانتحار ملاذه الوحيد ليكون صرخة اغاثة او صرخة احتجاج.