في يوم 31 يناير الماضي توقفت حركة البريد في الكويت بسبب إضراب عمال البريد والنظافة في المطار، التابعين لإحدى شركات العمالة المتعاقدة معها وزارة المواصلات، وكان سبب الإضراب شكوى عدم تسلم العمال لرواتبهم المستحقة لعشرة أشهر مضت.
واذا تجاوزنا هذا الحدث على أهميته لنقف على الأسباب الحقيقية لمثل هذه الاضرابات والاعتصامات التي تؤثر على البلد وتشل حركته، وإذا كانت الشركات المتعهدة بالعمالة الوافدة تتسبب في تلك الاضرابات بشكل أو بآخر، فلا شك ان هناك أسبابا أخرى، تعتبر رئيسية وجذرية لمثل تلك المشكلات التي تكاد تعصف بأمن البلاد واقتصادها.
تبدأ جذور هذه المشكلة منذ الخمسينيات عندما شهدت الكويت تزايدا في أعداد العمالة والهجرة الوافدة والتي اخذت تشكل أرقاما تصاعدية وعلى حد قول د.عبدالرؤوف الجرداوي في رسالته للدكتوراه عن الهجرة في المجتمع الكويتي «حتى غدا سكان الكويت يمثلون أغلبية مهاجرة وأقلية مواطنة وهذا وضع تتميز به الكويت ودول الخليج العربي»، فنسبة العمالة الوافدة في الكويت عام 1957 بلغت 45% ثم تصاعدت في الأعوام 65 ـ 70 ـ 1975 إلى 53% وفي عام 1980 وصلت الى 58% وفي 1996 بلغت 63.8% ثم استمرت هذه الأعداد تصاعديا حتى بلغت عام 2006 حوالي 67%، وبالنظر لتلك الأرقام نجد ان هناك خللا في التركيبة السكانية، ومن أسبابها فتح باب استجلاب العمالة الوافدة، خاصة الآسيوية بصورة عشوائية حتى أصبحت أغلبية في تعداد السكان، ناهيك عن خلل آخر وهو قوة العمل في السوق الكويتي فقد بلغت قوة العمالة كما تشير احصائيات وزارة التخطيط لعام 2006 عن تعداد العمالة الى 1.869.809 أي ما يقارب المليوني عامل من بينهم نحو 1.534.571 أي أكثر من مليون ونصف المليون عامل وافد أي بنسبة 82% وتشكل العمالة الآسيوية نحو 58% من إجمالي عدد العمالة حيث يصل عددها الى 1.180.285 أي ما يزيد على المليون نسمة، ويتضح من هذه الأرقام والنسب قوة تواجد العمالة الآسيوية الوافدة في سوق العمل الكويتي.
ولهذه القوة آثارها السلبية على سياسة البلد واقتصاده وأمنه وعلى مسيرته الإنمائية، فالاستهانة بتلك الاضرابات التي تقوم بها العمالة الوافدة لها أبعادها الخطيرة على المؤسسات الحكومية والأهلية وعلى المجتمع، فقد تتدخل قوى خارجية للسيطرة على تلك الاضرابات والاعتصامات للضغط على الدولة وتعطيل وشل حركة البلاد.
وهذا ليس من قبيل تضخيم الأمر وتهويله وانما هو واقع له مؤشراته ودلالته فقد حصل في بعض دول الخليج ان مظاهرات قامت بإيعاز وتدخل مما يسمى بجماعة «النكسولايت» وهي جماعة هندية يسارية متطرفة تستغل أوضاع وظروف العمالة الوافدة في الخليج لتسيطر على المجاميع العمالية كورقة ضغط على الحكومات. وهنا في الكويت نشرت بعض الصحف الكويتية في 2008 تقريرا أمنيا أعدته وزارة الداخلية حول الأمن الاقتصادي والسياسي في البلاد وحذرت فيه من جماعة «النكسولايت» ومحاولتها لاختراق مجاميع العمالة الآسيوية في الكويت.
وما نخلص له ان العمالة الوافدة قد تمثل خطرا أمنيا واقتصاديا على البلاد، اذا لم تبادر الحكومة بدراسة أوضاعهم جديا وإصلاح الخلل المتمثل في التركيبة السكانية وقوة العمل، فالحلول الترقيعية أو الجزئية لن تحل المشكلة ولن تنهي آثارها الضارة، فقد تتكرر الإضرابات والاعتصامات في السنوات القادمة وقد تتطور في شكلها وتتبنى العنف والمواجهة وقد تسير في خطط منظمة لشل حركة البلد، وكما يقول المثل الكويتي «الحيرة اللي ما تعجبك تفلعك» أي الحجرة الصغيرة التافهة قد تؤذيك وتجرحك.