مر قبل عدة أيام، وبالتحديد 8 سبتمبر 2010 اليوم العالمي لمحو الأمية حيث احتفلت الامم المتحدة عبر منظمتها الدولية (اليونسكو) بهذا اليوم المهم حيث اشارت الى وجود ما يقارب الـ 750 مليون شخص امي في العالم والنسبة الاكبر منهم من النساء حيث يشكلن ما يقارب الثلث وتأتي أهمية هذا الاحتفال نظرا لأهمية العلم والتعليم على اعتبار ان الامية تعتبر عائقا كبيرا امام التنمية وامام التقدم الحاصل في العالم.
ونحن في الكويت وفي زخم الاحداث مرت هذه المناسبة مرور الكرام من حيث الاشارة الى هذا اليوم العالمي وكأن الأمر لا يعني المسؤولين في الجهات المعنية في الدولة ولا القائمين على الخطة التنموية بأهمية تنمية العنصر البشري ودوره في التنمية فإذا كان مسؤولو الجهات المعنية يعتقدون ان الكويت ليس بها امي فهذا الأمر مفخرة وتجدر الإشارة إليه في هذا اليوم العالمي، وإذا كانت هناك امية مهما صغر حجمها فعلى المسؤولين استغلال هذه المناسبة للتذكير بأهمية الدور العالمي في الجهود الرامية لمكافحة الامية ونحن جزء من هذا العالم نظرا لما تخلفه الامية من تحديات اجتماعية واقتصادية وامنية وتنموية بدايتها مع الاسرة.
ولكن للاسف لم نسمع عن أي شيء من هذا القبيل والتساؤل الذي يطرح نفسه: أين التكامل في تنفيذ خطة التنمية في مجال محو الأمية في اطار التنمية البشرية وأود أن اشير ايضا ونحن في الألفية الثالثة وعلى الرغم من بدايات برنامج محو الأمية للكبار الذي بدأ في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وتوج بصدور القانون رقم 4 لسنة 1981، للأسف ان الامية مازالت تطل برأسها في المجتمع الكويتي حتى لو كانت بأعداد قد ينظر إليها البعض على انها بسيطة لكنها تشكل نسبة مئوية من اجمالي السكان الكويتيين، كذلك فان وجود الامية في المجتمع الكويتي لا يتناسب مع سمعة الكويت وجهودها في التنمية البشرية والارتقاء بالمواطن الكويتي وهي السباقة في برامج محو الأمية منذ عقود مضت ولكن التراخي الاداري والاعلامي قد انسى الجميع وجود الامية في المجتمع الكويتي.
وبلغة الارقام الصادرة من الهيئة العامة للمعلومات المدنية والتي بلا شك تعتبر مصدرا مهما للمعلومات وتعطي البيانات الكاملة عن صورة المجتمع فإن البيانات الاحصائية المتوافرة تؤكد ان ما يقارب 38 الف مواطن كويتي (ذكر وانثى) اميون ويشكلون ما نسبته 4.5% من إجمالي السكان الكويتيين عشر سنوات فأكثر البالغ عددهم 818763 وما نسبته 3.5% من اجمالي السكان الكويتيين البالغ عددهم 1118911، ويشكل الاناث الغالبية العظمى من الاميين حيث يبلغ مجموعهن 32271 بما نسبته 85% من إجمالي الاميين الكويتيين والذكور يشكلون 5721 بما نسبته 15%.
وتتركز فئة الأمية في الفئة العمرية ما بين 30 سنة وأكثر من 65 سنة وتحديدا فإن الفئة الاكثر أمية تتركز في الفئة العمرية 65 فأكثر بإجمالي 16523 تليها الفئة العمرية 64-60 وعددها 5288 تليها فئة من 59-55 وعددها 4712 تليها الفئة العمرية 54-50 وعددها 3956 واخيرا 49-45 بعدد 2688. وتنحسر الأمية نهائيا في الاعمار الصغيرة نظرا لالزامية التعليم وفقا للقانون 1 لسنة 65 ترتفع تدريجيا في فئة 24-20 بإجمالي 29 وفئة 29-25 بإجمالي 157 وفئة 34-30 بإجمالي 594 والفئة العمرية 35-39 بإجمالي 1314 والفئة العمرية 44-40 بإجمالي 2127، بإجمالي عام لهذه الفئات 4221.
وبمراجعة تلك الفئات العمرية مع صدور قانون رقم 1 بشأن التعليم الالزامي لسنة 1965 وقانون رقم 4 بشأن محو الأمية لسنة 1981 وتطبيقهما على أرض الواقع يفترض التحاق الغالبية الكبيرة منهم بمراحل التعليم الأولى ومراكز محو الأمية مما يستتبع عدم وجود أي امي بالكويت منذ ذلك الوقت نظرا لما نصت عليه تلك القوانين من الزامية التعليم ومحو الأمية وما تضمنته من عقوبات وجزاءات لكل من يتخلف حيث نصت المادة الثالثة من قانون محو الأمية التي تنص على أن محو الأمية الزامي للذين لم يتجاوزوا الأربعين عاما وبتطبيق هذه المادة على الفئات العمرية السالفة الذكر نجد ان غالبيتهم تنطبق عليهم وكان يجب عليهم الالتحاق بمراكز محو الامية.
والتساؤل الذي يطرح نفسه: من يتحمل مسؤولية وجود هذه الاعداد من الامية في المجتمع الكويتي؟! هل هو التراخي في تطبيق القانون ام عدم وجود متابعة من الجهات المعنية في الدولة؟ ومن يتحمل جريرة استمرار الامية لدى هؤلاء باستثناء من لديهم عاهات او امراض مستثنين بحكم القانون ام ان غالبية هؤلاء مستثنون ايضا؟ واين دور مؤسسات المجتمع المدني الخاصة بالمرأة خاصة ان غالبية نسبة الأمية من نصيب الاناث؟
عندما نتطرق إلى هذا الموضوع فإننا نحاول بقدر الإمكان ملامسة نقاط الضعف لتداركه مستقبلا وخاصة اننا في إطار تنفيذ خطة التنمية الانمائية الكبيرة التي تتطلب سن القوانين والتشريعات والتي يجب متابعة تطبيقها أولا بأول وفقا لتقارير رسمية بعيدا عن المجاملات والبيانات التي لا تستند الى ارض الواقع.
الأمر الذي يتطلب دراسة هذه الارقام وان كان هناك عذر للفئات الأكبر سنا في وجود الامية لديها نظرا لتراخي الجهات المعنية في تطبيق القانون التي تتحمل وزر وجود الامية لدى هؤلاء ولكن في الفئة العمرية الشابة فإنه من المتعذر قبول أي أمي في هذه الفئات العمرية الشابة ما لم تكن هناك أمور صحية تقف وراء هذه الاعداد وان كان افتراضنا صحيحا فإنه يجب تدارك ذلك وأهمية الاشارة إليه حيث ان وجود مثل هذه الارقام في متناول الباحثين يعطي مؤشرا احصائيا يمكن البناء عليه في التحليل الاحصائي.
وبعد ذلك الاستعراض لتلك البيانات الا يجدر بنا أن نقف موقفا متأملا لتلك الارقام وان نبدأ جهودا مضاعفة لمحو الامية وفق برنامج علمي واستراتيجية واضحة المعالم لمراكز محو الامية للكبار وعدم التراخي في مواجهة هذه الأرقام والتي يجب النظر إليها بجدية وبدء حملة قومية لجعل المجتمع الكويتي خاليا من الامية وخلق برنامج اعلامي مكثف تحت شعار «لا للامية في المجتمع الكويتي» عبر حملة اعلامية مكثفة للتركيز على مخاطر الأمية وتشجيع الاميين على الالتحاق بمراكز الامية باستخدام اساليب تعليمية متنوعة ومشوقة دون النظر للسن وتقديم جوائز تشجيعية للمتفوقين وحوافز تشجيعية للحاصلين على شهادة محو الامية ومكافآت مالية مجزية تفعيلا للمادة 15 من قانون محو الامية.
دكتوراه في السياسة الاجتماعية ـ جامعة برمنغهام ـ بريطانيا، لواء متقاعد