منذ أيام عدة مضت احتفل العالم أجمع ممثلا بالأمين العام للأمم المتحدة بمناسبة عزيزة على المجتمعات العالمية تتمثل باليوم العالمي لكبار السن الذي يصادف الأول من اكتوبر ويعد فرصة سنوية للتحفيز على النقاش حول نشر حقوق المسنين وإيجاد آلية لتقوية الشراكة التي تهدف في المقام الأول الى ضمان مساهمتهم الفعالة في المجتمع.
وأسوة بدول العالم فقد احتفلت الجهات الرسمية في الكويت بهذا اليوم العالمي حيث ركزت على ما تقدمه الدولة من رعاية اجتماعية وصحية للمسنين سواء داخل دور الرعاية الخاصة بهم أو من خلال الخدمات المنزلية المتنقلة والتي لا تخرج في مجملها عن الأداء الرسمي المطلوب منها.
وفي إطار هذه المناسبة التي تعتبر فرصة مواتية للتعبير عن حاجة هذه الفئة للعناية والاهتمام والرعاية لتكون فئة فاعلة منتجة بدلا من حالة الفراغ وما ينتج عنها من تبعات صحية ونفسية، يجدر بنا تقييم ما تم تقديمه للمسنين وما يجب ان تكون عليه السياسات والخطط والبرامج المتعلقة بفئة كبار السن، حيث تشير الأرقام الإحصائية الرسمية الصادرة من الهيئة العامة للمعلومات المدنية لعام 2009 الى ان إجمالي عدد كبار السن وفقا للتصنيف العالمي الذي حدد السن 65 فأكثر يبلغ 61939 مسنا بما نسبته 1.7% من اجمالي عدد السكان الكويتيين وغير الكويتيين البالغ عددهم 3484881 حيث يبلغ عدد المسنون الكويتيين 35755 بما نسبته 3% من إجمالي السكان الكويتيين البالغ عددهم 1118911 يشكل الذكور منهم ما نسبته 46% بعدد 16571 والإناث ما نسبته 54% بعدد 26184 مسنة، أما المسنين غير الكويتيين فيبلغ إجمالي عددهم 25147 بما نسبته 1% من اجمالي عدد السكان الوافدين البالغ عددهم 2365970 يشكل الذكور منهم ما مجموعه 14752 وبنسبة 58% والإناث بإجمالي 10397 بما نسبته 42%.
يتضح من تلك الأرقام قلة نسبة المسنين إلا انها تشكل نسبة مئوية يجب النظر اليها بعين الاعتبار وهي الفئة التي ساهمت في فترة من الفترات في البناء والعطاء الحضاري والثقافي والدور البارز في بناء الوطن والأجيال بصورة مباشرة وغير مباشرة، الأمر الذي يحتم مراجعة البرامج والخطط الخاصة برعاية المسنين لا اعتبارهم عجزة بل طاقة يجب استثمارها في التنمية كل حسب عطائه وميوله واتجاهاته ووفقا لرغباته.
وعلى الرغم مما تقدمه الدولة من عناية وجهود مبذولة وتشريعات لرعاية المسنين إلا انها لا تعدو كونها رعاية صحية واجتماعية لا ترتقي الى ما تقدمه الدول المتقدمة من اهتمام لهذه الفئة بإشراكها في خطط التنمية والاستفادة من خبراتها وطاقاتها والتي ساهمت بشكل أو بآخر طيلة حياتها العملية في بناء الوطن، بل يجب النظر اليها على انها طاقات يمكن الاستفادة منها لما لديها من خبرات متراكمة لا نتركها في عالم النسيان وعالم الفراغ.
وان لنا في تجارب الدول المتقدمة نماذج يجب الاهتداء بها في وضع السياسات والبرامج التي تهدف للاستفادة من طاقات كبار السن باعتبارهم فئة منتجة ولها قيمتها بحيث يتم شغل أوقات فراغهم بدلا من الجلوس في المقاهي والانطواء، ففي ألمانيا على سبيل المثال جمعية الخبراء المسنين وفي اليابان جامعة المتقاعدين وفي الولايات المتحدة جمعية المتطوعين وغيره من الجمعيات والمؤسسات التي تقوم على الاستفادة من طاقات كبار السن وعدم تعريض بعضهم للاكتئاب وغيرها من الأمراض النفسية والاجتماعية وكلها تنصب لخدمة كبار السن من جهة والاستفادة من خبراتهم من جهة أخرى.
أما في الكويت فإن ما يتم تقديمه لكبار السن من رعاية صحية واجتماعية ونفسية يعتبر عملا إداريا لا يرتقي إلى خطط وبرامج وسياسات واضحة الأهداف والمعالم لاستثمار طاقاتهم والاستفادة من خبراتهم والتعامل مع كبار السن كأنهم فئة عاجزة وعالة تحتاج الى العطف وإذا كان الأمر كذلك لبعض المسنين وهم فئة قليلة فإن الأمر يختلف مع الأعداد الأخرى منهم.
وعليه ونحن في إطار خطة التنمية العامة للدولة يجب ألا ننسى أهمية وضع السياسات والبرامج والخطط لرعاية المسنين ليس لأنهم فئة تحتاج الى الرعاية، بل ايضا فئة فاعلة لا يعني تنحيها عن العمل بسبب السن أنها غير قادرة على العطاء لاحقا، بل يجب استثمار طاقاتها وشغل أوقات فراغها بما يعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع، خاصة ان المؤشرات الإحصائية للسكان توضح ان ثلثي السكان الكويتيين من الشباب، مما يشير الى ارتفاع مرتقب لأعداد فئة كبار السن خلال العقود المقبلة، الأمر الذي يتطلب وضع إستراتيجية عامة للاستفادة من طاقات كبار السن على النحو التالي:
أولا: العمل على تفعيل المادة 11 من المبادئ العامة للسياسة العربية ـ الخليجية المشتركة لرعاية ومشاركة كبار السن التي اعتمدها مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بدورته السادسة عشرة لعام 1999.
ثانيا: إنشاء جمعية للمتقاعدين وكبار السن تهدف الى الاستفادة من خبرات منتسبيها ومشاركتهم في الأعمال التطوعية والمؤتمرات الدولية.
ثالثا: إنشاء ناد للمسنين بموقع مميز.
رابعا: الاستفادة من الخبرات الواسعة لكبار السن في شتى مجالات الحياة من خلال برامج محددة.
خامسا: إقامة حلقات علمية ودورات تدريبية مناسبة لكبار السن.
سادسا: استغلال مرافق مراكز الشباب في إقامة أنشطة اجتماعية وترويحية ورياضية لكبار السن.
وفي الختام لا تخفى أهمية تقدير كبار السن لما قدموه أثناء شبابهم وحان الوقت لرد الجميل لهم بوضع آلية معينة لتقديم بعض المميزات الرمزية لهم تتمثل في الآتي:
1- تخفيض قيمة رسوم المرافق الترفيهية.
2- تقدير كبار السن من الوافدين المقيمين في الكويت الذين أفنوا شبابهم في خدمة الكويت بـ:
ـ إلغاء رسوم الإقامة والتأمين الصحي.
ـ تقديم المعونات المالية للمحتاجين منهم.
3- مشاركة القطاع الخاص كل حسب مجال عمله في تقديم خصومات لكبار السن.
4- تخفيض قيمة تذاكر السفر لهم.
5- تقديم رسائل محبة وتقدير من القيادة السياسية لأكبر المعمرين في الكويت.
6- تكريم عدد من كبار السن باحتفال رسمي على هامش اليوم العالمي.
7- عمل لقاءات مع كبار السن لتوثيق سيرتهم.
هذا جزء من المبادرات تطرح على بساط البحث لعلها تكون نقطة مضيئة للاهتمام بكبار السن وهو المآل الذي سنصل اليه في يوم من الأيام فإن لم نعمل الآن ونهتم بكبار السن فلن يهتم بنا أحد مستقبلا.
دكتوراه في السياسة الاجتماعية ـ جامعة برمنغهام ـ بريطانيا، لواء متقاعد