- صدم وزير الداخلية بحقيقة التعذيب فارتجل كلمات تعبر عن الصدمة
- تعذيب الميموني ليس تصرفاً فردياً وليس نهج وزارة
كان الحدث الأكبر على الساحة المحلية هو حادثة قتل وتعذيب المواطن محمد الميموني من قبل بعض منتسبي إدارة المباحث الجنائية في محافظة الأحمدي وما اصدرته الوزارة من بيان مخالف للواقع استند اليه وزير الداخلية عن حسن نية وصفاء سريرة في مجلس الأمة مدافعا عن وزارته تجاه ما يعتقده تجنيا على الجهاز الأمني من قبل بعض اعضاء مجلس الأمة موضحا تارة وشارحا تارة أخرى ظروف القبض والوفاة التي تعرض لها المجني عليه، وإيمانا منه بصحة ما يتلوه من معلومات وفي المقابل صدم الوزير عندما عرضت نسخة من سجلات بلاغات مديرية أمن الأحمدي يذكر التعذيب والوفاة فارتجل كلمات تعبر عن صدمته عندما قال «لا يشرفني العمل في وزارة تعذب المواطنين» وأتبعها لاحقا باستقالته متحملا المسؤولية الإدارية.
وبعد أن انكشفت الكثير من الحقائق عن جريمة تعذيب وقتل المواطن محمد الميموني، رحمه الله، والاعترافات التي ادلى بها رجال المباحث المتورطون في هذه القضية وما سبقه من بيان تلاه وزير الداخلية امام مجلس الأمة نافيا وقوع هذه الجريمة، نستطيع القول إن المجني عليه كان ضحية لأكثر من موقف: ضحية إلقاء القبض، ضحية التعذيب، ضحية القتل، وآخرها ضحية البيان الإعلامي للوزارة.
لقد أظهرت وفاة المجني عليه الكثير من الأمور حول عمل الاجهزة الأمنية وفتحت الأبواب الموصدة على مصراعيها وبكل شفافية وخاصة فيما يتعلق بإيصال المعلومات الأمنية وما يدور من إجراءات الضبط والتحقيق داخل الاجهزة المعنية في وزارة الداخلية.. الجهة المؤتمنة على حقوق وأعراض الناس كافة حيث ان موضوع الحادثة له شقان الأول يتمثل في إجراءات الضبط والتحقيق وما تبعها من تعسف وتعذيب وقتل واستغلال سلطة والأبعاد والتي تبتعد كل البعد عن الإجراءات القانونية والدستورية والحقوق الدستورية للفرد وهي محور تحقيق النيابة العامة والثاني هو تسلسل البلاغ وإيصال المعلومة الأمنية للمسؤولين وهذا ما يهمنا الآن نظرا لما وقع من إحراج للوزارة.
لا شك أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال اختزال ما وقع بأنه تصرف فردي كما أنه في نفس الوقت لا يمكن اعتباره منهج وزارة، ولكن ما حدث ابان الكثير من أوجه القصور والتي ما كان يجب أن تحدث، وتتمثل في مجموعة من السلبيات التي قامت بها الأجهزة الأمنية كل في مجال اختصاصه في التعاطي مع مجريات هذه الحادثة. ووفقا لما تم ويتم نشره تباعا في الصحف المحلية حول هذه الجريمة والتي ادت إلى إحراج الوزير أمام مجلس الأمة نستطيع استخلاص مجموعة من النتائج حول الحادثة وذلك على النحو التالي:
أولا: تسجيل البلاغات: لقد وضعت وزارة الداخلية نظاما واضح المعالم لإيصال المعلومات الأمنية والحوادث التي تقع في البلاد الى كبار المسؤولين وعلى رأسهم الوزير عن طريق الإدارة المركزية للعمليات والتي من أولى مهامها تلقي جميع البلاغات التي تقع في الدولة وتدوينها وإرسال نسخة كاملة للمسؤولين وإبلاغ كبار المسؤولين بالحوادث الهامة ليكونوا على اطلاع على مجريات الوضع الأمني في البلاد أولا بأول. تلك البلاغات ترد من جميع أجهزة الوزارة عبر أقسام وادارات العمليات فيها لكونها حلقة الوصل مع الادارة المركزية للعمليات.
وفي هذا الصدد وهي نقطة مهمة حيث تمت الاشارة الى ان مخفر الاحمدي تلقى بلاغا من مستشفى الأحمدي بخصوص وفاة المجني عليه يوم 11 يناير أي قبل جلسة مجلس الأمة التي أدلى بها الوزير بيانا مخالفا للواقع ومفاجأته بنسخة من البلاغ في مجلس الأمة دون علمه ووفق سجل البلاغات تتضح حالة المجني عليه وظروف الوفاة ولنا في هذا الموقف ملاحظات عديدة تتمثل في الآتي:
- ـ هل تم التعامل مع هذا البلاغ تعاملا روتينيا وبلامبالاة؟
- ـ هل تم ابلاغ قسم العمليات في مديرية الاحمدي من قبل مخفر الاحمدي؟
- ـ هل تم ابلاغ مدير الامن او كبار ضباط المحافظة بهذا البلاغ؟
- ـ هل اطلع مدير العمليات في المحافظة على هذا البلاغ؟
- ـ هل تمت مراجعة سجل البلاغات ودفتر الأحوال؟
- ـ هل تم ابلاغ الادارة المركزية للعمليات بهذا البلاغ؟
- ـ هل قامت الإدارة المركزية للعمليات بإبلاغ الوزير بالحادثة؟
- ـ من وقّع امر ابعاد الحارس؟
- ـ وكيف تم إيداعه في سجن الإبعاد وبأي تهمة؟
هذه مجموعة من التساؤلات يجب الا تمر مرور الكرام بل يجب التحقق منها للوصول الى الحقيقة وعما اذا كان هناك اخفاء معلومات عن الوزير.
ثانيا: الاعلام الامني: وهو بيت القصيد حيث تعتبر ادارة الاعلام الامني المرآة العاكسة وحلقة الوصل ما بين الوزارة واجهزة الاعلام على اختلاف انواعها باعتبارها الجهة الوحيدة بالوزارة المعنية بنشر الاخبار وبيانات الوزارة، وفي هذا الصدد قامت الوزارة بإعداد واصدار بيان يفترض انه من ادارة الاعلام الامني وفقا للاختصاص حول الحادثة مخالف للواقع، والتساؤل الذي يطرح نفسه هل اكتفت ادارة الاعلام الامني بما ورد اليها من بيانات حول هذه الحادثة؟ والاجابة عن ذلك. وفقا لما تم ايضاحه من حقائق لاحقا يتضح ان ادارة الاعلام الامني لم تكلف نفسها عناء البحث عن الحقيقة، بل اكتفت بما ورد اليها وتمت صياغته وبثه دون تدقيق والتأكد من صحة ما ورد فيه وهنا تأتي المهنية في أداء العمل حيث ان العمل الاداري السليم يتطلب التدقيق والتأكد من اكثر من جهة حول اي حادثة والرجوع الى الجهة المعنية في حالة وجود غموض في حادثة ما، حتى لو تطلب الامر طلب نسخة من ملف القضية لا ان يتم اخذ الافادة كعمل روتيني وصياغته وارساله الى وسائل الاعلام وهذا حق مشروع لكي تحصن الادارة ردها فما ان يخرج منها حتى يصبح ممثلا لوجهة نظر الوزارة.
وعندما اقول ذلك فإنه من واقع الخبرة وليس نظريا لابد من الإلمام بجميع خيوط القضية وإعداد الرد الملائم والمناسب وفقا للحقائق.
هذه الامور هي التي ادت للأسف الى وصول معلومات خاطئة الى كبار المسؤولين وعلى رأسهم الوزير الذي ائتمن القيادات على اختلاف مسمياتها واعطاهم الثقة المطلقة واعتمد على تقاريرهم دون مراجعة ايمانا منه بهم، ولكن للأسف حصل العكس وهذا لا يعفيه من تحمل المسؤولية الادارية وكان اهلا لها.
من هذا المنطلق ونحن في خضم هذا الحدث الجلل علينا اخذ العبر بما حدث بأهمية اتخاذ الاجراءات العاجلة لمنع تكرار ذلك العمل الاجرامي والعمل على بسط سيادة القانون وحفظ الحقوق الدستورية، وتلك الاجراءات تتمثل في الآتي:
ـ التحقيق مع ادارة عمليات الاحمدي حول موضوع تلقي البلاغ من عدمه من مخفر الاحمدي، وعما اذا تم ارسال البلاغ للإدارة العامة للعمليات من عدمه في حالة تسلمه من مخفر الاحمدي وهل تم ابلاغ مدير الامن وكبار ضباط المحافظة بهذه الحادثة حيث انه من المتعارف عليه وفقا للإجراءات الامنية المعتادة ان يتم ابلاغ كبار مسؤولي المحافظة بذلك.
ـ التأكيد على اهمية قيام المسؤولين بزيارات ميدانية مفاجئة دورية وفي اوقات مختلفة للإدارات التابعة لهم وتدوين ذلك في سجلات الادارات والاطلاع على عمل تلك الادارات وفقا للقانون وذلك للتوثيق ومحاسبة من لا يقوم بذلك ايا كان موقعه.
ـ إعداد محاضرات لرجال الامن وفق برنامج زمني محدد على مدار العام للتعريف بحقوق الانسان وحقوق المتهم وإجراءات الضبط والعقوبات لمن يتجاوز تلك الحقوق، حيث ان كثيرا من القضايا صدرت فيها احكام قضائية ببراءة المتهمين على الرغم من توافر اركانها وكانت نتيجة خلل في اجراءات الضبط.
ـ تشكيل لجنة للنظر والبت في طلبات الابعاد منعا لسوء استغلال السلطة وهذا يتضح جليا في هذه الحادثة.
ـ تفعيل دور الادارة العامة للرقابة والتفتيش بالقيام بزيارات فجائية الى المخافر واماكن الاحتجاز للتأكد من تطبيق القانون وعدم التعسف في استخدام السلطة والتدقيق على سجلات المتهمين والموقوفين وأوضاعهم وهذا من صميم عملها وهذا بحد ذاته يعتبر المهنية في العمل والابداع فيه تلقائيا لا انتظار الاوامر أو اتباع العمل الروتيني المعتاد، وذلك اذا كنا نريد فعلا الاستفادة وأخذ العبر مما حدث كبداية للإصلاح وبسط سيادة القانون وتعزيز ثقة المواطنين بالجهاز الامني.