لا يختلف احد على ما تقوم به العمالة الوافدة من دور مهم في المجتمع الكويتي منذ عقود كثيرة مضت ومساهماتها الفعالة في جميع المجالات الصحية والتعليمية والخدمية وغيرها، نظرا للنقص الشديد في العمالة الوطنية في الكثير من المهن، ومن جانب آخر لما توفره الدولة لهم من مميزات مالية والاستقرار الذي يمنح العمالة الوافدة الرغبة في التواجد في البلاد، مما أدى الى زيادة اعداد العمالة الوافدة الى اكثر من 60% من اجمالي عدد السكان.
ولاشك ان الاعتماد شبه الكامل على العمالة الوافدة على اختلاف انتماءاتها العرقية في مجالات مهمة عديدة له اسقاطاته السلبية على المجتمع في حال اتخاذها مسارا مخالفا يتخذ من «الضغط» على الجهات الحكومية واستغلال حاجتها لهم وسيلة لتحقيق المطالب.
أشير الى ذلك على ضوء ما نشر من توجهات لبعض العاملين في القطاع التعليمي وتهديدهم «بالاستقالة الجماعية» ما لم يتم تنفيذ مطالبهم وفي هذا الوقت بالذات، كما ان هذا التحرك ان صحّت الأخبار يعكس مدى اعتقاد العمالة في قدرتها في التأثير على مجريات الحياة في المجتمع الكويتي وتعريض جانب مهم من بنيانه للخطر!
ولا ريب ان مجرد التلويح بذلك لابد ان يقرع أجراسا لتنبيه الجهات المسؤولة لاتخاذ اجراءات حاسمة في حماية المجتمع وقطاعاته من تلك التداعيات المنتظرة.
فإذا كان اليوم هناك تلويح بالتأثير على سير العملية التربوية في هذا الوقت الحساس من العام الدراسي فغدا سيكون في مجالات أخرى لها تداعيات سلبية ليس على الساحة المحلية فقط بل تتعداها الى الدول التي تتبعها تلك الجاليات مستقبلا.
من هنا تأتي الأهمية بمكان للمعنيين بالأمر بدءا من مجلس الوزراء الموقر مرورا بالمجلس الأعلى للتخطيط وانتهاء بوزارة التربية بعدم التهاون والتقليل من شأن ما نشر بل يتطلب الأمر تدارسا عاجلا للموقف قبل تفاقم الوضع لوضع السيناريوهات المختلفة والاحتمالات المتوقعة والخيارات الحكومية الوقائية، وهذه هي الادارة الحكومية الجيدة التي تقرأ الواقع لترسم خططه المستقبلية وان تعي النتائج المترتبة على ذلك لا ان تكون ردة أفعال يشوبها كثير من الأخطاء والضعف.
وحقيقة الأمر ان الجميع بلا استثناء لا يقبل ان تهضم حقوق العمالة الوافدة وحقها في المطالبة بما تشاء من حقوقها في الاطار القانوني ولكن الإضرار بمصالح المجتمع تحت اي ذريعة وحجة بحد ذاته امر لا يمكن قبوله.
وبناء على ما سبق فإن الأمر يتطلب اعتبار ما نشر «نذير بداية أزمة» قد تواجه المجتمع مما يحتم تحركا حكوميا سريعا وبصورة هادئة ومنظمة بعيدا عن الرد الانفعالي والارتجالي القائم على تحليل الأسباب والمطالبات لاتخاذ الاجراءات اللازمة والتي نراها في النقاط التالية:
أولا: أهمية انشاء مركز لادارة الأزمات لمواجهة اي طارئ قد يحدث للمجتمع الكويتي.
ثانيا: أهمية وجود استراتيجية حكومية واضحة المعالم تقوم على أساس ربط مخرجات التعليم مع الاحتياجات الفعلية لسوق العمل.
ثالثا: النظر بعين الاعتبار لحقوق العمالة الوافدة ومطالبهم في اطار القانون والنظام العام والمراجعة الدورية للعقود الحكومية وفقا لمقتضيات العمل والصالح العام.
رابعا: تشكيل فريق ادارة أزمة بوزارة التربية لتقييم الوضع، ووضع جميع الاحتمالات والحلول لها ورفع تقرير كامل لمجلس الوزراء حول ذلك.
خامسا: انشاء قاعدة بيانات لاعداد المدرسين والمدرسات الكويتيين المتقاعدين، كل في مجال تخصصه والتنسيق معهم ومد جسور التواصل لاستدعائهم عند الحاجة.
سادسا: تكوين قاعدة بيانات من أصحاب الخبرة والاختصاص في التدريس من الكويتيين وغير كويتيين ممن لا يعملون في القطاع التعليمي للاستفادة منهم عند الحاجة كقائمة احتياط.
سابعا: تشكيل لجنة دائمة مشتركة بين المجلس الأعلى للتخطيط وجامعة الكويت لربط مخرجات التعليم مع الخطط التنموية الاقتصادية والاجتماعية مع ما يتناسب وحاجة سوق العمل.
ثامنا: قيام جامعة الكويت بدورها الرائد بما تملكه من مراكز أبحاث بقراءة الواقع لوضع خططها المستقبلية في تحقيق أهم أهدافها الذي انشئت من أجله ويتمثل بتوفير الاعداد اللازمة من الخريجين في مختلف التخصصات لسد احتياجات المجتمع من القوى العاملة في المستوى التخصصي.
تاسعا: تشكيل لجنة دائمة للمجلس الأعلى للتخطيط والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب لربط مخرجات التعليم الفني باحتياجات الخطط التنموية الاجتماعية والاقتصادية في المجالات كافة.
عاشرا: أهمية قيام الهيئة العامة للتعليم التطبيقي بما لديها من وحدات بحثية بدراسة سوق العمل واحتياجاته من العمالة الفنية لتوجيهها التوجيه الصحيح في سد النقص من العمالة الوطنية وبما يخدم الخطط التنموية.
ختاما وعندما أشير الى ذلك فليس بدافع التهويل او تضخيم الأمور بل من واقع قراءة الحاضر لمواجهة القادم من الأحداث حتى نكون على استعداد واتخاذ الاجراءات المناسبة لا ان نكون عرضة للابتزاز والضغط حماية للمجتمع وأمنه الوطني بمفهومه الشامل.