أنهى مجلس الأمة معضلة ميزانيات الجهات الحكومية باعتمادها جميعا بعد نقاشات حادة، وخاصة ميزانيات الهيئة العامة للزراعة والهيئة العامة للتعليم التطبيقي ومؤسسة التأمينات الاجتماعية، رغم المخالفات المالية الجسيمة المسجلة عليها والتي تقدر بعشرات الملايين وخسائر بمئات الملايين تكفي لسد عجز الميزانية لسنة على الأقل، وكان العامل المشترك في جميع المناقشات لأي ميزانية تقرير «ديوان المحاسبة» المتعلق بها، حيث ارتكز الأعضاء على تلك التقارير في توجيه الانتقاد في عدم الالتزام بملاحظات ديوان المحاسبة وتفاديها في عمل الجهات الحكومية.
وكان الأبرز في تلك النقاشات توافق آراء بعض الوزراء المعنيين مع تقرير لجنة الميزانيات بالمجلس مما حدا بأكثر من وزير إلى القول «بأنه لو كان عضوا بلجنة الميزانية لرفض ميزانية تلك الجهة التي تتبعه» في مسعى لتمرير تلك الميزانية والتعهد بمتابعة تلك الملاحظات.
وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على ما لتقارير ديوان المحاسبة من أهمية بالغة في الحفاظ على المال العام من سوء إدارة بعض مسؤولي الجهات الحكومية.
ولا شك أن ما يقوم به ديوان المحاسبة من جهد كبير من القائمين عليه باختلاف مناصبهم ومسمياتهم الوظيفية وزملائهم المراقبين الماليين الذين يقع عليهم عاتق الالتزام بأوجه الصرف على مدار العام وبصفه شبه يومية في مراقبة أوجه الصرف الحكومية وكتابة الملاحظات على تلك المصروفات عما إذا كانت مستوفية شروط الصرف من عدمه، يتطلب الآن موقفا حازما من مجلس الوزراء في أهمية الالتزام بأوجه الصرف والتعاون التام مع أي ملاحظات من ديوان المحاسبة أو المراقب لأي «تجاوز لمصروفات الجهات الحكومية في الميزانية الجديدة» وخاصة مع تعهد الوزراء بمعالجة ملاحظات ديوان المحاسبة في الميزانية السابقة لتلافيها في الميزانية الجديدة، والإيعاز لهم بالالتزام ببنود الصرف وأي ملاحظات أو تجاوز.
سيكون المسؤول هو المعني في المحاسبة عند أي تجاوز.
وكذلك الأعضاء في مراجعة التقارير الدورية لديوان المحاسبة للوقوف على أي ملاحظات أولا بأول، أمام أي تجاوز مالي لأي جهة حكومية، لا أن نأتي بنهاية العام وإبداء الملاحظات والنقد ومن ثم تمرير الميزانيات بما فيها من مخالفات مالية جسيمة وكأن ما قام به ديوان المحاسبة «أمر شكلي» يمكن تجاوزه.
أقول بكل صراحة إن تمرير الميزانيات بما فيها من مخالفات يتساوى فيها كل أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية ويتحملون مسؤولية هدر المال العام، ولا عذر لهم في ذلك، أما ديوان المحاسبة والمراقبون الماليون فنقول لهم أنتم خط الدفاع الأول في مواجهة الهدر والتعدي على المال العام وهذه مسؤوليتكم التي لا تتحمل أي مجـاملة.
[email protected]