عادل العتيبي
من قديم الزمن وفي طابور الصباح في مدارسنا العربية القومية الوطنية، علمنا أطفالنا ان يبدأوا يومهم بتحية «تحيا الأمة العربية»، ونحن نقول بل تحيا.. تحيا.. تحيا.. أطفال العالم يرضعون الحليب من صغرهم، ونحن نُرضع أطفالنا القومية العربية.
منذ قرون ويقولون ان العرب تجمعهم رابطة الدم والعادات والتقاليد والدين، وتعودت آذاننا على نغم كلمة الوطن العربي الكبير، ولكن اين هذا من واقعنا المرير؟! عندما نبحث عن ارضية قوية نثبت عليها، لا نجد سوى الأماكن الهشة والشعارات المستهلكة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتجدنا على هوة سحيقة تنتشلنا من ضمائرنا ومن قوميتنا.
أين القومية والأمة العربية من مشكلة اخواننا أصحاب الوثائق الفلسطينية، الذين لم يكن لهم ذنب إلا كونهم وُلدوا فلسطينيين تشردوا وخرجوا من بلادهم تحت بطش العدو الصهيوني، وانتشروا بين أرجاء الوطن العربي الكبير دون حول لهم ولا قوة، لاجئين لأحضان أشقائهم الأنصار الذين استقبلوهم وتفننوا بهم في شتى أنواع اللوائح والقوانين، بل كدنا ان نؤمن بأن القوانين اللامنطقية وضعت من أجلهم فقط، تأكيدا على إيماننا وتضامننا مع قضيتهم.
فكثير من الدول العربية المجاورة لفلسطين المحتلة قدمت للاجئين وثائق كمستند رسمي لهم، وبموجبها رحلوا الى بلدان عربية اخرى بحثا عن مصدر الرزق والعيش الكريم للابتعاد عن أهوال الحرب والبطش الصهيوني الذي ترك في كل منزل فلسطـــــيني أرملة، أو طفلا يتيما، أو أما مفجـــــوعة على زوجها أو ابنها.
وبعد دخولنا الألفية ومرور عشرات السنين على هؤلاء، وظهــور جيـل جديد لم يعش ويعاني من حالة النزوح الجماعي في تلك الفترة، ما كان عليهم إلا ان يعيشوا حيث ولدوا، ان الوطن هوية وارتباط نفسي وزمني واجتماعي وثقافي ولــيس اســــما يولد مع الإنســــان.
ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، وكما ان الله قضى عليهم ان يعيشوا نازحين خارج أوطانهم في غربة دائمة وجدوا القوانين واللوائح ضدهم أيضا من أنصارهم «أصحاب الشعارات القومية»، فليس لهم الحق في الانتقال بين بلدان العالم لأنهم لا يحملون جوازات سفر معترف بها إلا وثائق سفر تنكرت لها الدول المانحة مؤخرا، بل وحتى بعض الدول العربية ترفض منحهم سمة زيارة بشكل قطعي، ولا يستطيعون الرجوع الى وطنهم، فهم في بحث دائم عن الأمان والاستقرار، وبقي هؤلاء بين المطرقة والسندان لا حياة لهم إلا مع المعاناة التي كتبت عليهم منذ الأربعينيات، حتى ان الدول التي عاشوا بها ودرسوا وترعرعوا على ارضها وعملوا بها لم تعفهم من تطبيق القوانين، بل تفننوا في شتى أنواع اللوائح والرسوم التي أثقلت كاهلهم سواء كانت رسوم الدراسة او السكن او العلاج الطبي، ناهيك عن رسوم الإقامة، ولم تكن هناك مراعاة لظروفهم المعيشية، فالكثير منهم يعجز عن سد احتياجاته فيضطرون غير ملومين للجوء إلى اللجان الخيرية للمساعدة.
ويستمر مسلسل التفنن في تصعيب كل امور الحياة عليهم، فمنهم من خالف قانون الإقامة بسبب ظروفه المادية او انه لم يجد من يكفله ويتم إيداعه بالسجن حتى يتم ترحيله، ولكن الى أين؟ وأي دولة ستستقبله وهو لا يملك وطنا ولا جواز سفر؟ وإن أُدخل السجن متى يخرج؟
ماضٍ مرير، وحاضر مستحيل، ومستقبل مجهول، وإلى أين؟!
«ارحموا عزيز قوم ذل».