في ختام رحلتنا القصيرة الى العراق، حطت رحالنا في مدينة النجف الأشرف على بعد أمتار قليلة من ضريح الإمام علي عليه السلام، ولهذه المدينة المقدسة مكانة خاصة وعزيزة في قلوب اتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام، فإليها تهفو قلوب الملايين من زوار ضريح الإمام علي سنويا، وبها مقبرة وادي السلام وهي اكبر مقبرة في العالم الاسلامي وبها اول واقدم حوزة علمية لمذهب الإمام جعفر الصادق منذ ارتحال الشيخ الطوسي اليها عام 448 للهجرة، وبها يستقر العديد من العلماء والفضلاء والمراجع وعلى رأسهم المراجع آيات الله العظام السيد علي السيستاني والسيد محمد سعيد الحكيم والشيخ اسحق فياض والشيخ بشير النجفي، وقد وفقنا باللقاء مع المرجع آية الله السيد محمد سعيد الحكيم واستفدنا من توجيهاته ونصائحه السديدة، ولك ان تعرف منهجية عمل المرجعية الرشيدة عندما تعلم انه في الوقت الذي يمر فيه العراق بهذه المحنة العظيمة فإنها تقوم من جانب بإصدار توجيهاتها ورسائلها ونصائحها الى الشعب العراقي وفي نفس الوقت فإنها لم تنس ايضا مسؤولياتها تجاه الأمة الاسلامية والمسلمين اينما وجدوا، الى الحد الذي يقوم فيه المرجع السيد محمد سعيد الحكيم مثلا بإرسال مبعوثين من قبله لمتابعة اوضاع المسلمين في اوروبا وفي مختلف بلاد المهجر مما يعطي البعد العالمي لرسالة المرجعية حقها، الأمر الذي يشكل رسالة واضحة للمدعين بانكماش دور المرجعية وانكفائها على نفسها وانعزالها عن العالم.
وقد كانت للنجف وللمرجعية الرشيدة فيها مواقف خالدة تجاه الكويت وشعبها وارضها وشرعيتها سواء ابان تهديدات عبدالكريم قاسم وموقف المرجع الكبير الراحل السيد محسن الحكيم رحمه الله او اثناء الاحتلال الصدامي الغاشم للكويت والفتوى الشهيرة للسيد الإمام الخوئي، رحمه الله، بحرمة الصلاة على ارض الكويت باعتبارها ارضا مغصوبة، من هنا فإن التواصل الشعبي والرسمي والعلاقات الوطيدة مع المرجعية الرشيدة ورجالاتها والبيوتات الكريمة الاخرى في النجف الأشرف كآل الحكيم وآل بحر العلوم وآل كاشف الغطاء وغيرهم من البيوتات العلمية الكريمة، تشكل ضمانة اضافية لتوطيد العلاقة بين الشعبين الشقيقين، وعليه فلم يكن مستغربا ابدا كل تلك المشاعر الفياضة التي لقيها الوفد الكويتي في ضيافة العالم الجليل العلامة السيد محمد بحر العلوم ونحن بين ابنائه واحفاده في منزله العامر بالنجف الأشرف، ورأينا كم كانت عيون الشيخ الجليل تشع عرفانا ووفاء وشوقا الى الكويت واهلها وهو يستذكر كل تلك السنين التي قضاها بالكويت قاضيا شرعيا، ولم يكن مستغربا ابدا كذلك ان يحمل ولده سفير العراق لدى الكويت السيد محمد حسين بحر العلوم كل تلك الصفات الحميدة من خلق وأدب وفكر وتقدير للكويت واهلها وشرعيتها وهو ابن تلك الأسرة العلوية العريقة، وهو اختيار موفق الى ابعد الحدود، وقد أصر السفير على مرافقتنا طوال مدة الرحلة وشكل مع سفير الكويت النشط والفدائي لدى العراق الفريق علي المؤمن ثنائيا جميلا يكمل احدهما الآخر في حرصهما على تمتين وتقوية العلاقات بين الحكومتين والشعبين الشقيقين وحرصهما على تذليل مختلف العقبات في ظروف استثنائية صعبة بكل المقاييس، ويشكلان نموذجا راقيا للسفراء الحقيقيين للشعوب والحكومات.
لقد كانت زيارة الوفد الإعلامي الى العراق الشقيق ناجحة بكل المقاييس والمعايير فالديبلوماسية الشعبية هي رديف اساسي للديبلوماسية الرسمية بل ان مجالات المناورة والحركة هي اكثر للديبلوماسية الشعبية منها للرسمية، والدور الذي تقوم به جمعية الصحافيين الكويتية في هذا المجال هو دور في غاية الأهمية ويحتاج كل دعم ومساندة، وكل الشكر للسيد احمد بهبهاني رئيس جمعية الصحافيين وللسيد عماد جواد بوخمسين على دعمهم السخي للرحلة والشكر موصول كذلك للزميل عدنان الراشد الدينامو النشط والجندي المجهول المعلوم خلف كل تلك الأنشطة والفعاليات، أما زملاؤنا في السفر فلهم مني كل تحية وتقدير، ورحم الله الشاعر عندما قال:
تغرب عن الأوطان فــي طلـب العـــلا
وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفــرج هم واكتســاب معيشــة
وعلــم وآداب وصحبــة ماجــد
[email protected]