ما ان تطأ قدماك مطار القاهرة الدولي الجديد بعد الثورة حتى تكاد تشعر بنسمات الحرية الباردة وهى تلفح وجهك بنسماتها الجميلة الرقيقة الهادئة، بحيث ترى الوجوه ضاحكة مستبشرة والابتسامات والضحكات تملأ قاعات الانتظار وبشائر الأمل بمستقبل أفضل تملأ العيون والقلوب، هكذا كان الانطباع الأول لي في المطار، وبعد تجوالنا في البلد وبين الناس يتبين لنا ان الأوضاع مازالت تمر بمرحلة ما قبل الاستقرار التام، فالأوضاع الأمنية وان كانت مستقرة في غالب الأحيان إلا ان العين الفاحصة لا تفوتها بعض الثغرات الأمنية هنا او هناك، وهذه حالة طبيعية لمرحلة ما بعد الزلزال الشعبي الكبير الذي حدث في مصر، وبكل الأحوال فان ما حدث ويحدث في مصر لهو دليل على عظمة هذا الشعب وعافيته وبداية لانتفاضة مصرية كبرى تستعيد مصر من خلالها موقعها الحقيقي بين الأمم والشعوب بعد ان همشها النظام السابق وجعلها أسيرة سياسة «البترودولار» وسياسة المحاور الإقليمية الضيقة.
ومن الملاحظ ايضا انك تجد لكل مصري روايته الخاصة عن الثورة وأسبابها والقائمين عليها وتداعياتها وقد تصل الى حد النقيض في أحيان كثيرة، فعالم الاجتماع له رأى مغاير لرجل الشارع والسياسي له رأى مغاير للصحافي وهكذا، ولكن المتفق عليه ان تداعيات الثورة المصرية وآثارها الارتدادية الجميلة ستشمل العالم العربي بأسره، ومن الضروري اليوم ان تقف الحكومات العربية مع الشعب المصري ومساعدته في النهوض من كبوته المؤقتة تكفيرا عما قامت به طوال العقود الماضية من دعم النظام لا الشعب، فالأنظمة تزول ولكن الشعوب هي الباقية، فالأوضاع الاقتصادية تمر بمرحلة ركود شملت مختلف القطاعات الاقتصادية من سياحة وخدمات وغيرها وهذا ينعكس بالتالي على الطبقات الشعبية التي ما خرجت أصلا الى للتغيير للأفضل في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأحد أوجه التغيير هو تحسين الأوضاع الاقتصادية، فرأس المال حسب تعبير الاقتصاديين جبان، والمطلوب كذلك الدعم السياسي لاستكمال استقرار البلد وإعادة تشكيل منظومته السياسية الجديدة والمنتخبة، فانتخابات مجلسي الشورى والشعب ستكون في سبتمبر المقبل وبعدها سيتم تشكيل لجنة لصياغة الدستور من أعضاء البرلمان المنتخب، والى ان تقام انتخابات رئاسية فان المجلس العسكري سيقوم بإدارة الدولة إلى فترة لا تقل عن سنة حسب اعتقادي.
والمطلوب كذلك عدم استعجال مصر للقيام بخطوات كبيرة تحتاج إلى مزيد من الاستقرار والنقاش كموضوع معاهدة كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، ففتح المعابر مع قطاع غزة هو خطوة كبيرة تشكر عليها القيادة المصرية في هذه الأوقات الحرجة، وكذلك من غير المقبول أيضا ان يحجر على مصر في سياستها الخارجية المستقلة الجديدة ترهيبا او ترغيبا ان تسعى لاستعادة وتقوية علاقاتها مع مختلف البلدان ووفقا لمصالحها القومية لا وفقا لرغبات ومصالح البعض هنا او هناك وتحديدا في موضوع العلاقات المصرية ـ الإيرانية وهو ما سيكون محور حديثنا في المقال القادم ان شاء الله.
[email protected]