بدعوة كريمة من اللجنة المنظمة لجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر حطت رحالنا في مدينة أبوظبي لحضور حفل توزيع الجوائز على الفائزين بالجائزة، وبالرغم من ضيق الوقت فإننا حرصنا على الذهاب للاطلاع عن كثب على ما وصلت اليه التجربة الإماراتية المميزة في هذا المجال، فلقد قرأنا الكثير عنها وتناقل الركبان الكثير أيضا عما حققته دولة الامارات العربية المتحدة في مجال النخيل والتمور على المستوى المحلي والاقليمي والعالمي، ولكن ـ وكما قيل ــ ليس من سمع كمن رأى وهذا ما حدث معنا بالضبط، فمنذ اليوم الاول الذي تبنينا فيه القيام بالحملة الوطنية لمشروع المليون نخلة ونحن نحرص على البحث عن كل ما يتعلق بالنخلة والنخيل والتمور في منطقتنا العربية وفي العالم أيضا وقد اطلعنا على تجارب كثيرة الا ان التجربة الإماراتية كانت ومازالت فريدة ورائدة في اكثر من جانب ومن هنا كان حرصنا على حضور الاحتفالية لمحاولة معرفة اسرار هذا النجاح الباهر.
وقد كان لنا ما اردنا فمنذ اليوم الاول ومنذ افتتاح فعاليات الجائزة ونحن نلاحظ ونرصد الاهتمام والرعاية الكبيرة التي تلقاها النخلة او «الشجرة المباركة» كما تسمى في دولة الامارات ومن اعلى المستويات في الدولة وفق رؤية استراتيجية تنموية واضحة المعالم والأهداف، واحد أشكالها رعاية رئيس الدولة الشيخ خليفة بين زايد لهذه المسابقة الدولية وفعالياتها الكثيرة في مختلف مجالات البحث العلمي والتقني والاعلامي وما ينتج عن ذلك من ابداعات وابراز لطاقات متميزة كامنة من مختلف أنحاء العالم.
وكيف لا ورئيس الدولة يحمل إرثا عظيما من فكر ورؤية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وهو عاشق للشجرة المباركة وبامتياز واكبر راع ومشجع لزراعتها ورعايتها على مستوى العالم وقد ابدع وزير التعليم العالي والبحث العلمي ورئيس مجلس امناء جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر سمو الشيخ نهيان مبارك آل نهيان في كلمته الرائعة البليغة في تشخيص رؤية دولة الامارات العربية المتحدة قيادة وحكومة وشعبا حول الشجرة المباركة وأهميتها ودورها في تحقيق استراتيجية الأمن الغذائي وتحقيق مفاهيم التنمية المستدامة الامر الذي كشف لنا عن احد اسرار تميز اشقائنا في الامارات وتربعهم على عرش موسوعة غينيس للأرقام القياسية بأكثر من أربعين مليون نخلة من عام 2009 وهذا من جانب الدولة وأما من جانب مؤسسات المجتمع المدني فقد تشرفنا بلقاء الاستاذ الدكتور غالب الحضرمي عميد كلية الاغذية والزراعة والامين العام لجمعية اصدقاء النخلة والمهندس النشط على محمد العنتلي مدير عام جمعية اصدقاء النخلة الإماراتية على هامش حفل الافتتاح ورحب بنا الحضرمي أيما ترحيب وقد جال بنا العنتلي مشكورا في امارة أبوظبي واطلعنا عن قرب على العديد من المشاريع التنموية والسياحية في الامارة وتحدث لنا طويلا عن دور واهداف جمعية اصدقاء النخلة ومشاريعها التوعوية المتعددة في مجال رعاية الشجرة المباركة واحدها عمل مسابقات بين طلبة المدارس حول الشجرة المباركة وهو ما نتمنى تطبيقه لدينا في الكويت وقد اتفقنا على المزيد من التعاون والاستفادة من خبراتهم في هذا المجال وبما يحقق النجاح والتميز لحملة المليون نخلة في الكويت، وقد حرص المهندس العنتلي مشكورا على ان نصلي في مسجد الشيخ زايد رحمه الله وهو يعد بحق تحفة معمارية رائعة الجمال والتصميم والبناء، وقد رأينا توافد السياح من كل مكان للاطلاع والتصوير في باحات المسجد وقاعاته وتفاصيله المعمارية الجميلة واثناء تجوالنا في أبوظبي لاحظنا اهتمام الأهالي الكبير في زراعة ورعاية الشجرة المباركة وهم الشريك الثالث في منظومة شركاء رعاية الشجرة المباركة.
اما القطاع الخاص وهو الشريك الرابع في هذه المنظومة فقد حرصت اللجنة المنظمة مشكورة وعلى رأسها المهندس عماد سعد الدينامو الاعلامي والبيئي النشط على زيارة مدينة العين والتى اطلقت عليها شخصيا تسمية مدينة النخيل لما رأيناه لديهم من رعاية واهتمام بالنخيل وهناك كان لنا لقاء مع مدير عام شركة الفوعة للتمور السيد مسلم عبيد العامري وهو من القيادات الوطنية الشابة التي يعتمد عليها في ادارة اكبر صانع التمور في دولة الامارات العربية المتحدة، وقد استعرض لنا رؤيته وطموحاته المستقبلية الواعدة لمزيد من الانتاج المتميز والتسويق لمختلف انحاء العالم، وقد كانت الزيارة فرصة لنا لزيارة مصنع الامارات للتمور في الشركة والاطلاع على احدث التقنيات المستخدمة في صناعة وتغليف التمور، وبعدها ذهبنا في جولة سريعة لمختبر زراعة الانسجة التابع لجامعة الامارات العربية المتحدة جامعة الامارات حيث اطلعنا على احدث التقنيات المستخدمة في مجال النخيل النسيجي والذي تتجاوز طاقته الاستيعابية 150 الف فسيلة نخيل سنويا من مختلف الانواع.
ان ما رأيناه خلال زيارتنا القصيرة لمدينة أبوظبي يزيدنا اقتناعا وإصرارا على متابعة مشوارنا الطويل مع الحملة الوطنية لمشروع المليون نخلة في الكويت، فبالرغم من كل العقبات والأجواء السلبية التي قد تمر بها مثل هذه المشاريع التطوعية الضخمة نظرا لعدم وجود الدعم والرعاية الكفيلة باستمرار الطاقات الشبابية التي ترعى هذه الحملة في اداء رسالتها التطوعية لخدمة بلدها وفقا لإمكانياتها المحدودة وطموحاتها الكبيرة، الا اننا نتمثل دوما بيت الشعر الشهير للمتنبي والذي يقول فيه:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائم
وشبابنا ولله الحمد يملكون عزيمة صادقة مخلصة وثقة عالية تصل للسحاب في قدرتها على انجاح مثل هذا المشروع التنموي وغيره من المشاريع الكبرى، ولكن وكما ذكرنا وفصلنا في هذا المقال وغيره فإنه لضمان نجاح وإنجاح مثل هذه المشاريع التنموية الضخمة فإنه لابد من تضافر الشركاء الاربعة المتمثلين في مؤسسات الدولة الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص والناس وافراد المجتمع بشكل عام، وهذا ما نجحت فيه دولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة ورأى العالم بأسره نتاجهم الرائع رأي العين، فهل سننجح نحن في الكويت في تحقيق معادلة النجاح والتميز هذه، وهل نتوقع ان ترعى الدولة هذه المشاريع بعد التأكد من جدواها واهميتها الاستراتيجية للبلاد والعباد ومنا الى من يهمهم الامر ويعنيهم وإنا معهم لمنتظرون.
[email protected]