تمر هذه الأيام ذكرى الإسراء والمعراج وحال المسلمين فرقة وشتات كل يسير على هواه وكأن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن إلا دعوة هاشمية كما يتصورها من لم يكن الإسلام صلبا في قلوبهم، تروي كتب السنة النبوية الشريفة ان النبي صلى الله عليه وسلم قد اسري به من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى في بيت المقدس، حيث ركب دابة سريعة العدو يقال لها البراق ثم عرج به الى السماوات العـلا حيث رأى ما رأى من آيات الله الكبرى وبلغ سدرة المنتهى وقد تحدث القرآن الكريم عن الاسراء والمعراج وقال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع العليم) (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) ان معجزة الاسراء والمعراج ان دلت فإنما تدل على تكريم الله تبارك وتعالى لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم ولمنزلته عند الله جلت قدرته وعزت عظمته وعنايته برسوله وهي حفاوة ما بعدها حفاوة، وقد سجل هذا التكريم في القرآن الكريم حتى تبقى هذه المآثر لا تندثر ولا تزول ذكراها ولا يضعف تأثيرها لتعبد الناس بتلاوتها حتى يقوم الناس لرب العالمين. لقد اجتمع الانبياء عليهم السلام برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس يستقبلونه بحفاوة وتكريم في السماوات ويأتمون به في بيت المقدس وقد فرحت الملائكة بمقدمه صلى الله عليه وسلم وفرحت ببعثته وصلت معه وحيته وصلاة الرسول عليه الصلاة والسلام بالأنبياء اماما تدل على انهم عليهم الصلاة والسلام قد رضوا به قائدا ورائدا وإماما وأن دين الاسلام قد نسخ جميع الديانات السابقة، وقد جاءت معجزة الاسراء والمعراج مكافأة لرسولنا صلى الله عليه وسلم وتكريما له على جهاده وصبره ومثابرته في مواجهة عدو لئيم قد صمد على موروث من عادات جاهلية وواجه موجة من التحدي هي مرحلة الفتنة والأذى والتعذيب اذ صب المشركون عليه وعلى من آمن معه جام غضبهم واعتدوا عليهم وقد قام عقبة بن ابي معيط الى رسول الله وهو يصلي في ظل الكعبة فلف الرداء على عنقه صلى الله عليه وسلم وشده حتى كاد ان يخنقه لولا ان الله يسر ابا بكر رضي الله عنه ليدفع ذاك الشقي وهو يقول اتقتلون رجلا يقول ربي الله؟!
وقبيل الاسراء مات عنه ابو طالب الذي كان يدافع عنه فطمع فيه اعداؤه وازدادوا ايذاء له وماتت زوجته خديجة رضي الله عنها التي آمنت به حين كفر به الناس وصدقته حين كذبه الناس وواسته بمالها حين حرمه الناس وكانت خير عون له على تحمل الدعوة تؤيده وتسري عنه كل ما يلاقيه من الألم والمتاعب، لقد صبر رسولنا عليه الصلاة والسلام على هذه الابتلاءات فكوفئ بهذا التكريم وهذه المعجزة وهي معجزة الإسراء والمعراج وهذه الرحلة تسري عنه بعض ما اصابه من الألم وكانت في الوقت نفسه شحنة قوية تدفعه للسير الى نهاية الطريق والمستقبل الزاهر الذي ينتظره والقارئ للآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تحدثت عن الاسراء والمعراج يعلم انهما قد حصلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في يقظته وبروحه وبجسده ويدل هذا على عدة امور هي: ان الله عز وجل بدأ الحديث عن الاسراء والمعراج في مطلع سورة الاسراء بقوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده) والعرب حين تتعجب من شيء وتندهش لوقوعه او منه تقول: (سبحان الله) وحين تبدأ السورة بالتسبيح تدل على ان هناك امرا متعجبا منه جاء مباشرة بعد التعجب وهو الاسراء برسولنا عليه الصلاة والسلام وعروجه جسما وروحا وهذا الذي يتعجب منه، اما الرؤيا في المنام فلا يتعجب منها اصلا ولقد جاء في الآية الكريمة التعبير عن الاسراء والمعراج بقوله سبحانه وتعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده) وكلمة عبد كما هو معروف تطلق على الانسان روحا وجسما ولا تطلق على الروح وحدها قال تعالى: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) ولو كانت بالروح لما وقف المشركون يكذبونها ولو كان الاسراء والمعراج بالروح فقط أي في المنام لما كانت معجزة اذ ان الانسان العادي قد يرى في منامه اشياء لا يراها في اليقظة وقد تصدر عنه تصرفات لا يقدر عليها في اليقظة كالطيران في الهواء والمشي على الماء وقوله تعالى: (ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى) فالآيات تنص صراحة على ان المعراج كان رؤية عين وليس مناما وأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم اماما في المسجد الاقصى وصلاته مع الملائكة تدل على ان الحادثة حصلت يقظة بالروح والجسد ولقد صرحت الاحاديث الصحيحة بان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد ركب دابة يقال لها البراق والإنسان بجسمه وروحه يركب الدابة فهل يقال للروح تركب البراق وهل يصح نسبة الركوب الى الروح؟ اما الرؤيا فتأتي في اللغة بمعنى ما يراه الانسان في نومه وتأتي ايضا بمعنى ما يراه الانسان في يقظته وبهذا المعنى شاهد في اللغة وهو قول الشاعر:
وكبر للرؤيا وهش فؤاده
وبشر قلبا كان جما بلابل
والرؤيا بمعنى ما يراه الانسان في يقظته هو ما يحدث وحدث لرسولنا صلى الله عليه وسلم ليلة الاسراء والمعراج والمسلمون الآن يتطلب منهم ان يدركوا مسؤوليتهم تجاه المسجد الاقصى وان يفدوه بدمائهم وأموالهم وبالغالي والنفيس وإن التفريط بالمسجد الأقصى هو جريمة كبيرة لا تغتفر فالأقصى ينادي بصوب حزين أيها المسلمون هبوا تعالوا واسرعوا جميعا لنجدتي وتخليصي من ايدي الصهاينة الكفرة ونسأل الله تعالى رب العرش العظيم ان يجعل هذه الذكرى العظيمة باعثة رشد ومنارا وهدى وطريق العزة للمسلمين وأن يرحم شهداءنا وشهداء المسلمين وان يحفظ الله بلدي الكويت وأميرها وشعبها ومن عليها من كل مكروه، اللهم آمين.
[email protected]