عق الولد والديه بمعنى آذاهما وعصاهما وخرج عن طاعتهما ولن يستطيع الأبناء مجازاة الوالدين على ما قدماه إليهم منذ نعومة أظفارهم حتى اصبحوا رجالا أو نساء يعتمدون على انفسهم إلا إذا وجد الولد أحد والديه أو كليهما مملوكا فيشتريه ثم يعتقه فالبر اسم جامع للخير فالأم حملتك في بطنها تسعة اشهر وعانت من الآلام كثيرا فإذا جاءها الوضع والمخاض شاهدت الموت فتارة تنجو وتارة أخرى تموت.
قال تعالى: (حملته أمه كرها ووضعته كرها) ثم تقوم بإرضاعه حولين كاملين، قال تعالى (ووصينا الإنسان بوالديه) ولم يقل عز وجل العكس لان الوالدين لا يحتاجان توصية بأبنائهما لكن الأبناء يحتاجون إلى هذه التوصية والعناية والمحافظة على سرور والديهم قال تعالى (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) فإذا وصل الوالدان أو أحدهما إلى الكبر واصبحا ضعيفين وعاجزين وصارا عندك في آخر العمر كما كنت عندهما في أوله وجب عليك أن تشفق عليهما وتلطف بهما وتعاملهما معاملة حسنة ولا تتأفف من شيء تشاهده من احدهما أو كليهما مما يتأذى منه الناس ولكن لابد من أن تصبر على ذلك كما صبرا عليك في صغرك والبعض يهتم بوالدته اكثر من والده فقال جل جلاله (وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)، ونجد في قوله تعالى ووصينا الإنسان بوالديه ولم يخص الأم وحدها ولكن الأم والأب معا وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: رغم انف، رغم انف من أدرك والديه عند الكبر احدهما أو كليهما ولم يدخلاه الجنة، وهنا الوالد يشمل الأب والأم وجعلها الله افضل وأطيب وأخير أبواب الجنة الثمانية، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من ولد بار ينظر إلى والديه نظرة رحمة إلا كتب له بكل نظرة حجة مبرورة، قالوا: وان نظر كل يوم مائة مرة، قال: نعم الله أكبر وأطيب».
أسوق هذه المقدمة لأنقل لكم والألم يعتصرني مشاهد من حياتنا اليومية عن عقوق الوالدين فلقد شغلتنا أولادنا وأموالنا حتى اننا لم نعد نعير والدينا أدنى رعاية فانظروا إلى ساحات المستشفيات وغرف الكشف في المستشفيات لتروا بأنفسكم أن الذي يصطحب الأب المريض أو الأم المريضة إلى المستشفى هو الخادم او السائق فلم يعد لدينا وقت للعواطف والحنان والمروءة مع والدينا بل عهدنا بهم إلى الخدم والسائقين يتولون رعايتهم وينقلونهم إلى المستشفيات ويدخلون معهم إلى الطبيب ليحدثوه عن مرضهم، فتعسا لهذه الرعاية وتعسا لهؤلاء الأولاد ان الله لن يسامحنا على التفريط في حقوق والدينا ولن يمهلنا إلى يوم القيامة فعقوق الوالدين يعجل الله سبحانه وتعالى عقابه في الدنيا قبل الآخرة ويراه العاق قبل أن يموت.
فما أهمية التربية والتعليم اذا كنا لا نعلم أولادنا كيف يكونون من الخيرين فالبر بالآباء والأمهات هو الدرس الأول الذي يجب ان يتعلمه كل طفل في بيته وهو يشاهد أباه وأمه يرعيانه ويحيطانه بالرعاية وإلا نشأ الطفل عاقا لا يقيم للوالدين حقوقا ولا يرعى لهما حقا ولا مكانا فالأسرة هي المدرسة الأولى التي يجب ان تزرع البر والإحسان في نفوس الأبناء تجاه والديهم ولا يستحق الحياة من عاش لنفسه واهمل والديه وعهد بهما إلى الخدم ودور الرعاية للعجزة والمسنين فإذا كنت قويا صحيحا اليوم فاذكر يوما ستصبح به ضعيفا واهنا تحتاج من يرعاك فصن لوالديك حقوقهما لتجد من يصونك ويحفظك يوم ضعفك ومرضك وعن رفاعة بن اياس قال «رأيت الحارث العكلي في جنازة امه يبكي كثيرا فقيل له لماذا تبكي هكذا؟ فقال ولم لا ابكي وقد اغلق عني باب من أبواب الجنة» وعليك بأهل البر والصلاح واحذر الصديق العاق فانه كالسراب يلمع ولا ينفع ولن يبرك وقد عق من هو اوجب منك حقا وأسال الله في هذه الايام المباركة ان يرحم والدينا الاحياء منهم والأموات وان يعفو عنهم وان يجمعنا مع والدينا في جنة الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء اللهم آمين.
[email protected]