عدنان الشمري
تمر العلاقات العربية ـ العربية هذه الأيام بحالة من النشاط السياسي الإيجابي بعد توتر شديد ساد هذه العلاقات على عدة محاور أثناء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، فقد ظن الكثير من المتابعين أن هذا الشرخ الكبير سيتسع أكثر، حتى ذهب أكثر المتشائمين بالجزم بأن منظومة جامعة الدول العربية التي تعيش حالة من الموت السريري سيعلن عن وفاتها بشكل رسمي هذه المرة، ولكن هذا التشاؤم بدأ بالتلاشي مع الاحساس المتزايد بأن هناك أملا في أن يلتئم شمل الأخوة العرب مرة أخرى، هذا الإحساس له دوافعه وله ما يعززه على أرض الواقع، وحتى يتنامى هذا الأمل يجب أن يحافظ العرب على ما حققوه من مكاسب خلال الأسابيع الماضية من أجل رسم خارطة طريق جديدة للعلاقات العربية ـ العربية، وذلك لا يمكن أن يحدث إلا من خلال تكثيف اللقاءات والزيارات الأخيرة التي ستمكن الأشقاء العرب من تفهم طبيعة الاختلاف فيما بينهم والعمل على إيجاد صيغة عمل مشتركة.
كما يجب على الدول العربية أن تتفهم طبيعة التحالفات الإقليميـــة التي ربطـــت بعض الدول نفسها به حماية لمصالحها وتطلعاتها، بالإضافة إلى أن هناك حاجة ملحة الى أن تتفهم بعـــض الدول العربية بأن عودتهـــا كطرف مفـــاوض وقادر على التحـــرك في اتجاه الدول الإقليمية الكبرى بدأ بالانحسار وأن هناك دولا أخــرى بـــدأت في الظهـــور على هذا الخــط.
فلنأخذ على سبيل المثال طبيعة الخلاف ـ الذي نتمنى أن يكون قد انتهى ـ بين المملكة العربية السعودية وسورية من جهة والخلاف بين سورية ومصر من جهة أخرى، هذا الخلاف يرجع إلى عدم تطابق وجهات النظر حول عدد من القضايا مثل القضية الفلسطينية، ودعم سورية لحركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية التي تتخذ خطا مغايرا لخط السلطة الوطنية من حيث الآلية التي تتبعها في التعامل مع العدو الصهيوني، كما أن لسورية حلفاء في لبنان غير حلفاء المملكة ومصر، مع الأخذ بعين الاعتبار الحلف الإستراتيجي بين سورية وإيران.
أتصور أن السعودية ومصر تستطيعان استثمار عدم تطابق وجهات النظر مع سورية لصالح العمل العربي المشترك، وذلك من خلال إيجاد آلية تنسيقية بين الثلاث عندما يكون هناك أي حراك دولي تجاه كل من فلسطين ولبنان، ولقد شاهدنا الدور الكبير لقطر عندما استطاعت لمّ الشمل اللبناني بعد أن ظن الكثيرون أن الأفرقاء في لبنان قد ذهبوا إلى نقطة اللاعودة، ولكن الدور القطري انصب في تقريب وجهات النظر مع الاحتفاظ بخصوصية كل فريق، المهم يجب على الجميع أن يضع نصب عينيه أن عدم التطابق في وجهات النظر لا يجب أن يكون مدعاة للفرقة، بل على العكس يمكن استثمار هذا الاختلاف لصالح الجميع، فيمكن أن يكون الحلف الإستراتيجي بين سورية وإيران عامل ضغط على الجانب الصهيوني والأميركي إذا استطاعت كل من السعودية ومصـــر إجـــادة استخدامه لصالح القضية الفلسطينيـــة، وهــــذه الاستفادة يجب أن تكون بالتوازي مع طبيعة العلاقــــات فيما بينهمــــا وبين الولايــــات المتحــــدة الأميركيـــة.
كما أن الدور القطري المندفع تجاه بعض الدول الإقليمية كإيران وتركيا وفرنسا يجب أن يستثمر ويسمح له بالتقدم، لأن الديبلوماسية القطرية الفتية من الواضح أنها تعيش حالة من الحيوية والنشاط، وأنها قادرة على تحقيق بعض المكاسب في عدة محاور، كالمحور السوداني والأزمة التي وقع فيها السودان هذه الأيام بعد حكم المحكمة الدولية ضد الرئيس عمر البشير.