عدنان فلاح الشمري
يبدو أن أبناء البدون موعودون دائما مع المعاناة، ويبدو أن كلما أتاهم خير من ناحية ظهر لهم مَن يحاول سلبهم هذا الخير أو التنغيص عليهم. كانت قضية التعليم ـ ومازالت ـ أحد أهم الأسباب التي رسمت لمعاناة أبناء البدون بعدا إنسانيا جعل الكثيرين يتفاعلون مع هذه القضية. فبعد أن عانت أجيال عديدة من الأمية، وترك الكثير من أطفال البدون مقاعد الدراسة لسنين عديدة بسبب الرسوم الدراسية الباهظة، عادت البسمة ترتسم مرة أخرى على شفاه الأطفال، وصار الآباء والأمهات يحلمون من جديد برؤية أبنائهم وقد تدرجوا في السلم التعليمي مرة أخرى، وزاد الحلم وكبر قليلا بعد أن لاحت فرصة دخول أسوار الجامعات لأبناء البدون، وإن كان الدخول عبر زاوية ضيقة لبوابة تلك الأسوار وعن طريق جامعات خاصة وبرسوم لا يستطيع تحملها الكثير من الناس.
لقد كان للجهود الواضحة لكثير من المتعاطفين مع قضية البدون وعلى رأسهم الشيخة أوراد الصباح، والتي حركت الملف التعليمي عبر تنسيق مشكور مع بعض نواب مجلس الأمة وعدد من أهل الخير والفعاليات المهتمة بالشأن الإنساني. الأثر الفعّال في اقناع الحكومة بإنشاء صندوق خيري تعليمي من أجل التكفل بنفقات رسوم المدارس الخاصة من المرحلة الابتدائية وحتى الثانوية، ولكن كما بينت في البداية هناك دائما مع الفرح حزن ملازم لأبناء البدون، فقد بدأ أصحاب المدارس الخاصة برفع تدريجي لأسعار الرسوم الدراسية بحيث تجعل أسر الطلاب يتحملون رسوما إضافية، حتى فوجئ الآباء هذا العام بأن هذه الرسوم ارتفعت إلى مستويات خيالية، ووصلت إلى حد جعل البعض منهم يفكرون جديا في سحب أبنائهم من الدراسة من جديد. فما الذي جعل أصحاب المدارس الخاصة يرفعون هذه الأسعار وبطريقة مثيرة للجدل؟ الجواب بسيط جدا، وهو عدم جدية الحكومة ومجلس الأمة في حل قضية البدون؟ فأصحاب المدارس بدأوا بإضافة رسوم إضافية على أبناء البدون وبتدرج في كل عام دراسي، دونما تدخل من قبل وزارة التربية. فقد بات من الواضح جدا أن أصحاب المدارس الخاصة سيستطيعون إقرار هذه الرسوم وفرضها بسبب عدم جدية الأطراف المعنية. فبعد تراجع وزيرة التربية عن تعيين المدرسين البدون في مدارس وزارة التربية، مع عدم جدية أعضاء مجلس الأمة في حل قضية البدون، جعل من أبناء البدون صيدا سهلا لكل من يشاء. أنا شخصيا غير متفائل بأن يتم إلغاء هذه الرسوم، وذلك بسبب عدم صدور أي ردة فعل حتى الآن لوزارة التربية والتعليم العالي، واكتفاء بعض أعضاء مجلس الأمة بتصريحات صحافية لا تسمن ولا تغني من جوع. فالدراسة بدأت وأصحاب المدارس يرفضون السماح بدخول الطلاب إلى فصولهم الدراسية إلا بعد دفع هذه الرسوم، وأعضاء مجلس الأمة يكتفون بتصريحات منمقة
أعانكم الله يا أبناء البدون، هذا قدركم وهذه الآليات التي يتم بها التعامل مع قضاياكم هي التي جعلت الأمور تصل إلى هذه الحال.
[email protected]