بعد انتهاء ملف استجواب وزير الداخلية الشيخ جابر الخالد، كتبت حينها مقالة بعنوان (ونجح الشعب الكويتي) بينت فيها بأن مع ذلك الاستجواب قد انتهت صفحة التأزيم السياسي. وكنا نعتقد بأن أعضاء مجلس الأمة «المخضرمين» قد تعلموا الدرس وبأنهم سيقبلون بأن بساط المجلس قد سحب من تحت أقدامهم لصالح النواب الجدد، ولكن يبدو أن نواب الحرس القديم مازالوا يراهنون على جولة جديدة من المواجهة مع الحكومة على طريقتهم. وأتت تلك المغامرة من العيار الثقيل، متمثلة باستجواب جماعي لحكومة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، وذلك من خلال استجواب سمو الرئيس وثلاثة من وزراء الحكومة الحالية. ولكن الكل كان يتوقع أن تطوى هذه الصفحة بسرعة وأن تقوم الحكومة بقراءة سطورها بسهولة ويسر، وهذا ما تم، فلقد أسدى النواب المخضرمون للحكومة خدمة على طبق من ذهب وأعطوها فرصة ثمينة لهزيمة بعبع الاستجواب. وأظن أن الحكومة قد أدارت هذه الأزمة بنجاح وبحنكة، وإن كان الأمر على حساب أن يسمح باستجواب سمو رئيس مجلس الوزراء لأول مرة وفي سابقة تاريخية. ولكن تلك الكلفة تستحق، فقد حصلت الحكومة على ثقة غالبية أعضاء مجلس الأمة وبنسبة كبيرة، كما أن خطوة قبولها المواجهة قد نالت استحسان ورضا الشارع الكويتي الذي أحس بأنه قد نجح في اختياره هذه المرة، واطمأن بأن هذا المجلس سيستمر لأربع سنوات وسيقوم بإكمال مدته الدستورية. تلك المواجهة كانت خاسرة لمن خاضها ممن يطلق عليهم نواب التأزيم ورابحة للحكومة، كما أنها قد دفعت بمسيرة الديموقراطية الكويتية إلى مزيد من التقدم والتعزيز المتمثل بقبول جميع الأطراف بأن يتم ممارسة جميع الأدوات الدستورية وإلى أبعد نقطة ممكنة.
ولكن حتى يتم الاستفادة من هذه الخطوة وحتى لا يتحول النجاح إلى انتكاسة، يجب على الحكومة استثمار هذا النجاح، وأن تعمل على تعزيز ثقة الشارع الكويتي عبر تطبيق خطتها التنموية والاقتصادية، وأن تقوم بمعالجة جميع الملفات التي تؤرق الشعب الكويتي ومنذ زمن بعيد، خصوصا ملفات البدون والرياضة والإسكان أيضا، وحتى تتم الاستفادة من هذه الخطوة، يجب على نواب التأزيم أن يركنوا قليلا ويهدؤوا كثيرا، وأن يقوموا بإعادة حساباتهم والعودة إلى التدرج باستخدام الأدوات الدستورية، كما يجب عليهم أن يتيقنوا بأن الحكومة لن تخشى فزاعة الاستجواب بعد الآن، ويجب على جميع أعضاء مجلس الأمة أن يجيدوا الموازنة بين الجوانب التشريعية والرقابية المرجوة منهم، وكم سيكون جميلا إن استطاعوا إيجاد آلية تفاهم مشتركة بينهم وبين الحكومة من أجل ألا يصل الأمر إلى مثل ما وصلت إليه العلاقة بين السلطتين خلال الفترة السابقة، ومرة أخرى.. نجح الشعب الكويتي.
[email protected]