أقولها دونما تحفظ ودون أدنى شك ومن غير مجاملة إن جميع النواب دون استثناء خذلوا أبناء البدون، فقد ساهموا جميعا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في إفشال جلسة 10 من الشهر الجاري، والتي كانت من المفترض أن تكون بداية لإنهاء معاناتهم. أبناء غير محددي الجنسية كانوا ينتظرون صباح ذلك اليوم بفارغ الصبر، وعيونهم تترقب وآذانهم تدور هنا وهناك علهم يسمعون الخبر الذي كان سيفرحهم، وينسيهم عناء السنين التي قاسوا فيها ما لا تستطيع حمله الجمال. ولكن أبى السادة الأعضاء إلا أن يفشلوا هذه الجلسة، وأصروا كعادتهم على ترسيخ مبدأ اللامبالاة وعدم الاكتراث لمعاناة هؤلاء البشر.
قد يتعجب البعض من مقالتي هذه أو يستغرب انتقادي لجميع النواب دونما استثناء، خصوصا أن هناك نوابا يسعون لإقرار قانون الحقوق المدنية والقانونية لغير محددي الجنسية، ويتصدون للدفاع عن البدون عبر منابر الندوات واللقاءات المرئية والصحافية، ومنهم من سعى لتحديد موعد لتلك الجلسة، فلماذا أشملهم ضمن من تخاذل أو ساهم في معاناة أبناء البدون؟. الجواب يكمن في أن النواب الذين سعوا لإقرار هذا القانون، كان لزاما عليهم العمل بشكل جدي وواقعي للوصول بالقانون إلى بر الأمان. فقد حذرت في مقالات سابقة من أنه ما لم يكن هناك ميثاق شرف يتبناه من سعى لقانون اقرار الحقوق المدنية والقانونية والإنسانية لهؤلاء البشر يتم من خلاله جمع تواقيع النواب المؤيدين للقانون وكشف من يقف صراحة وسرا ضده، وما لم يتوافر الاخلاص المطلق في العمل فانه لا ينجح وهذا ما حدث.
فما فائدة أن تتقدم بقانون لا تعرف من سيضمن لك مروره من عدمه؟ وما فائدة طلب عقد جلسة لم تقم بجمع تعهد أخلاقي لحضورها؟ هذا هو التخاذل غير المباشر، بل يمكنني القول صراحة انه عدم جدية في السعي لحل القضية وعدم التعامل مع هذا الأمر على أنه أولوية. ثم كيف يمكن لهذه الجلسة أن تمر وتنجح مع وجود نواب تأزيم أقاموا الدنيا وأقعدوها من أجل قضايا شخصية أجبروا من خلالها الحكومة على أن تحيد عن وجهتها المفترض أن تسلكها، ودفعوا بها إلى استجوابات فاشلة لم تصمد سوى ساعات شغلوا فيها الكويت بأكملها، وأرهقوا فيها الحكومة والمجلس والشعب حتى وصل الجميع إلى مرحلة التشبع وعدم القدرة على مواصلة العمل.
وكيف تمر هذه الجلسة وهناك نواب يتذاكون فقط على قضية البدون، وتجدهم يبدعون بالتنظير وهم يحاولون إيهام الجميع بخطورة أبناء البدون عبر تحويل الأنظار إلى ملف التجنيس، في حين أن ما كان مقررا في تلك الجلسة هو قانون اقرار الحقوق المدنية والإنسانية، وكيف يمكن إقناعنا بجدية النواب في حل هذه القضية وهم يتعاملون معها كأنها قضية هامشية؟ إن حل قضية البدون – على ما أعتقد وأتمنى- لن يمر عبر نواب مجلس الأمة، إن الحل سيأتي عن طريق الحكومة.
وهذه دعوة أوجهها للحكومة ممثلة بسمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، ووزير الداخلية الشيخ جابر الخالد وكل الفريق الحكومي، أن يقوموا بسحب البساط من تحت أقدام أعضاء مجلس الأمة عبر إعادة الحقوق المدنية والقانونية إلى أبناء البدون دونما منة وجميل من الأعضاء. فإذا كانت الحكومة تسببت في فترات سابقة في معاناة البدون، فإن أعضاء مجلس الأمة قاموا بتشعيب وإطالة أمد هذه القضية. والمرجو من الحكومة أن تصحح الأوضاع السابقة، وأن تبدأ بكسب ثقة الشارع الكويتي عبر حل هذه القضية حتى تلتفت إلى ملفات التنمية والاقتصاد. إن نجاح الحكومة قبل أيام في مواجهة الاستجوابات الكيدية والشخصانية لابد أن يتعزز بحل ملفات عالقة حتى تتم إعادة الثقة إلى الشارع.
[email protected]