ما يحدث اليوم من حراك سياسي نشط على شبكة الانترنت، وبصورة أكثف وأجرأ بكثير عن السنوات الماضية، واستغلال جميع التطبيقات المختلفة في الانترنت وتوظيفها توظيفا سياسيا، يؤكد لنا الارتباط الوثيق بين شبكة الإنترنت والديموقراطية والتي جاءت تبعا للسمات والصفات الاتصالية الفريدة التي تتمتع بها شبكة الإنترنت والتي تمكنها من تهيئة المساحة اللازمة للنشاط السياسي، فقد أصبحت «الإنترنت» اليوم وسيلة مباشرة للاتصال والتفاعل ونقل المعلومات، ولاسيما أنها توسع مجالات حرية التعبير والنقاش السياسي.
لقد أدرك الشباب العربي أن الإنترنت يمكن أن يعزز ويقوي الديموقراطية، ويغير من محدثات الأوضاع السياسية في المنطقة، كما آمن الشباب بأنه أصبح في الإمكان للرأي العام ـ الذي يتكون من خلال مشاركاتهم عبر وسائل الاتصال التفاعلي المختلفة في شبكة الإنترنت ـ أن يراقب ويحاسب الحكومات العربية، إذ لم يكن هذا النوع من المحاسبة الصريحة والمباشرة التي تهدف إلى كشف مكامن الخلل في الأنظمة العربية وصور الفساد الإداري وغير ذلك من القضايا متوافرا في السابق.
فكما هو معلوم، فإن التدني في مستويات الديموقراطية في الدول العربية نتج عن غياب الإدارة السياسية، وعدم وجود قوة معارضة سياسية فاعلة، وانخفاض مستوى فاعلية مؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى هبوط مستوى الثقافة الديموقراطية والمشاركة السياسية في أقطار الدول العربية، مما دفع بالشباب العربي إلى التوجه لشبكة الإنترنت، وممارسة دورهم السياسي بكل أريحية ودون كلل وبابتكارات حديثة وجديدة على الساحة السياسية العربية.
ولكن السؤال، هل الحراك السياسي العربي على الانترنت كاف لتحقيق الديموقراطية؟ إن الديموقراطية لكي تتحقق فإن الأمر يستلزم أكثر من مجرد مساحات لحرية التعبير، ودعوات لإسقاط الأنظمة، وتبني حملات لإسقاط رموز الفساد في الدول.
فالديموقراطية بمفهومها الحقيقي تعتبر أكثر تعقيدا وشمولا، بمعنى أنها تتطلب مؤسسات، وقيما، وثقافة، وسلوكا، وممارسات، وشفافية، وقواعد للعبة السياسية، وجميع ما سبق لا يتوافر في الدول العربية بالكمية وبالكيفية الملائمة لكي ننشد التغيير الديموقراطي المطلوب الذي بدأ الشباب العربي الدعوة له افتراضيا على شبكة الانترنت، ومن ثم تحققت أحلامهم عند نجاح التجربة وسقوط الأنظمة، لكننا خائفون عندما يصطدم هؤلاء الشباب بالواقع المرير مرة أخرى وتصبح تلك الجهود والمحاولات دون جدوى.
[email protected]