من الملاحظ أن هناك أفكارا وقيما ومواقف واتجاهات سياسية واجتماعية دخيلة على المجتمع الكويتي بدأت تتفشى وتتنامى بصورة غير مسبوقة دون التعرض لها وصدها، لاسيما أن المحاولات لرفض الواقع الخاطئ بدت شبه معدومة وهو ما سوف يجر البلد لمنعطف خطير ومرير. ولدى متابعتنا لعديد من المواقف الظاهرة على الساحة الكويتية على جميع الأصعدة نجد أن الخلل موجود وسيادة تلك الأفكار الخاطئة واستغلال المناصب إلى أنماط من السلوك والقيم غير السوية بدت ظاهرة للعيان. وربما من أشد تلك الظواهر انتشارا في الكويت الفساد المستشري في كل القطاعات وعلى كل المستويات. ففي الكويت تجد الفساد الأمني، والإعلامي والأخلاقي والمالي والسياسي والإداري والفكري والاجتماعي وكل ما تشتهيه من أنواع الفساد، بيد أن تسليط الضوء على هذا الفساد يأتي بشكل خجول عبر أقلام ووسائل إعلامية محدودة تحذر في كل مرة من مغبة الانزلاق في مهاوي الفساد وتداعياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في الكويت. من المخجل أن نصل في الكويت لمرحلة تسود فيها المصالح الشخصية على المصلحة العامة، وتستمر عملية شحن الأنفس وطغيان الظلم والجور وطمس معالم الشفافية والعدالة وتقويض دعائم المجتمع الكويتي عبر موت الضمائر وتقديم المصالح الشخصية الضيقة. فالفاسد لا يفسد دون مساندة ودون تطبيق فعلي للقانون الذي بالمفترض أن يحمي المجتمع من هذا المرض الاجتماعي الذي بدأ يظهر في كل قطاعات الدولة. قد تكون الفضيحة المليونية لنواب مجلس الأمة ـ أكرر: نواب، مجلس الأمة الكويتي المنتخبون والمصنفون كنخبة سياسية لها من الحصانة والمسؤوليات والسلطات التي من المفترض أن تكون من أصلح الناس في المجتمع لخدمة الكويت وشعبها ـ طغت على وسائل الإعلام المحلية وأصبحت الشغل الشاغل للشارع الكويتي والمتابعين للشؤون السياسية المحلية في الكويت، ولكن في نفس الوقت لا تعني هذه القضية شيئا في مجال الفساد المستشري في البلاد، فهي نقطة في بحر لما يحدث في المجتمع. لا نقصد هنا التقليل من حجم القضية، فهي لها من التداعيات السياسية التي قد تؤثر في ثقة المجتمع في المجلس والحكومة، لكننا نحاول أن نوضح أن الفساد الظاهر في الكويت قد تنوع وتلون بجميع الأشكال، فنجد فسادا في إثارة الفوارق والامتيازات الطبقية، وفسادا في إعلان الطائفية، وفسادا في انتقاء أهل الثقة لشغل المراكز الحساسة في الدولة، وفسادا في صحة المجتمع والأمن الغذائي، وفسادا في المحافظة على المال العام والثروة الوطنية، وفسادا الواسطة والمحسوبية، وفسادا التربح من الوظائف العامة، وفسادا في التستر على المجرمين، فسادا في تشويه الحقائق التاريخية، وفسادا في ترشيد الاستهلاك ومكافحة الاسراف، وفسادا في النظام الأمني والمروري، وفسادا في الأمن البيئي، وفسادا أسريا واجتماعيا.... إلخ. وبناء على سبق، فإن الحديث عن الفساد ومكافحته بات أمرا متشعبا ومعقدا في المجتمع الكويتي، وحتى وإن اختلف شكل وأسلوب الفساد من قطاع لآخر، ومن فرد لآخر، ومن صورة لأخرى، فإن قيم الأمانة والنزاهة والعفة لابد أن يتحلى بها الفرد في كل موقع وألا يسيء استخدام السلطة، وأن يكون القانون والنظام العام في الكويت فوق الجميع وذلك تجسيدا للعدل والأمن وحماية منجزات التاريخ الكويتي.
على المستوى الاجتماعي، وبما أننا على اقتناع بأن الفساد لا يختفي في الكويت ما لم يلتزم كل فرد بالقانون، نجد أنه في كثير من الأحيان بعض القوانين جاءت نصوصها فضفاضة وغير رادعة للمفسدين ـ هذا إن وصلت قضية الفساد للأجهزة الأمنية والقضائية ـ فالتستر على المفسدين أصبحت سمة واضحة ودافعا لمزيد من الفساد. وحول هذا الشأن، فالتستر على الفساد في أي موقع يترتب عليه آثارا سلبية قد تكون أكبر وأخطر على المجتمع، وعليه فالقضاء على الفساد لا يبدأ إلا عندما يكون الشخص خفيرا على الوطن ومكتسباته، وأمينا لمصلحة الكويت، وضميره حي يرزق. أما على المستوى النظامي، فإن معوقات مكافحة الفساد يمكن أن نختزلها في عدم تفعيل نظام المساءلة (من أين لك هذا؟)، وعدم وجود التشريعات والقوانين اللازمة لتفعيل مبدأ الشفافية، وانخفاض مستوى كفاءة الأجهزة الرقابية، وانعدام التدابير والتشريعات اللازمة لتشجيع وحماية المبلغين عن الفساد، وتدني الوعي العام وجهل العديد بالقوانين والتشريعات الخاصة بمكافحة الفساد وبحقوقهم وواجباتهم المهنية إزاء ذلك، وفشل الحكومة ومجلس الأمة بتزويد العامة بالمعلومات والبيانات بصورة شفافة.
وأخيرا، يأتي هذا المقال للذود عن مبادئ الأمة، والدفاع عن كل ما من شأنه يعكر صفو الأمن الاجتماعي والسياسي الكويتي، فلا يمكن الحديث عن الفساد وآثاره السلبية على المجتمع بجميع مستوياته وأشكاله وصوره دون أن يكون الكويتيون لهم دور في التصدي له، لاسيما أنه من المستحيل أيضا الحديث عن التصدي للفساد المنتشر في الكويت دون تدابير تشريعية وقانونية ورقابية بهذا الخصوص. لا نود أن نفقد الأمل، لأننا على قناعة بأنه بالرغم من وجود الفاسدين فهناك من يملكون الحس الوطني والمسؤولية من أبناء الكويت الذين سيسدون المنافذ والذرائع التي ترمي للفساد. وقياسا على ما سبق، فإن الخطوة الأولى في هذا المجال تأتي بتفعيل الإجراءات اللازمة لحماية الأفراد الذين يساهمون في كشف الفساد ومكافآتهم، وتفعيل إجراءات التحقيق وتسريع المحاكمات على المتهمين في قضايا الفساد وإعلان العقوبات وتنفيذها عندما تثبت الإدانة. والخطوة الثانية ـ وهي الأهم في هذه المرحلة ـ بتشريع القوانين اللازمة لإلزام جميع أصحاب المناصب العامة بالإفصاح عن ممتلكاتهم عند بدء العمل والابلاغ عن أي عمل أو استثمار يمكن أن يتعارض مع مناصبهم العامة والإعلان عن الهدايا والمنافع التي يتحصلون عليها أثناء مزاولتهم للمنصب العام.
[email protected]