أحمد العنزي
بغضّ النظر عن تجريم الفرعيات من عدمه سنحاول في هذا المقال طرح هذه المسألة بشكل عقلاني بعيدا عن الأحكام المسبقة الشخصانية.
بداية يجب أن نسأل أنفسنا سؤالا مهما: لماذا لم تنشأ الفرعيات في بلدان كالأردن والبحرين أو العراق مثلا، ففي هذه الدول قبائل وعوائل كالموجودة في الكويت؟ فهل نحن عرب وهم عجم؟ وإذا كانت ممارسة الفرعية أو «التزكية العامة» تعبر عن سلوك قبلي متعارف عليه بين القبائل، فلماذا يستفحل هذا السلوك لدى قبائل الكويت وعوائلها دون غيرها؟ أليس قانون القبيلة قانونا واحدا؟
إن طرح المسألة (أي مسألة) بشكل خاطئ سيقودنا حتما لنتائج خاطئة، لذلك سنعالج المشكلة من خلال معطيات يعرفها الجميع وهي على محورين:
الأول هو أن السياق التاريخي للعلاقة بين القبيلة وتطور الدولة يكشف لنا عن حقائق مهمة وخطيرة، فمنذ نزوح العوائل والقبائل الكويتية واستيطانها الكويت قامت الدولة آنذاك بالتعامل معها كرعايا وليس كسكان ومواطنين وهو أمر طبيعي خصوصا في بدايات نشأة الدول، ولكن الأمر غير الطبيعي هو أن التقسيم الديموغرافي السكاني لمحافظات ومدن الكويت جاء بناء على معطيات اجتماعية قبلية وليست علمية حيث تمركزت قبائل معينة في مناطق بعينها وهذا الأمر حدث تحت إشراف الدولة ورعايتها، فقبائل الشمال تتركز في الجهراء وقبائل الجنوب سكنت المنطقة الجنوبية أما الرشايدة والمطران وبعض القبائل الأخرى تركزت في الوسط وكذلك الأمر بالنسبة لعوائل الحضر الذين تمركزوا في مناطق الداخل، والأغرب من ذلك كله أن تقسيم الدوائر الانتخابية جاء محاكيا لهذا التوزيع الديموغرافي للمناطق القائم على اعتبارات قبلية وعائلية.
إن هذه المعطيات التاريخية ستشكل اللبنة الأولى لأمور ظهرت في الوقت الحالي فهذه المحاصصة القديمة الجديدة نراها اليوم في المراكز القيادية للدولة في الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية، إنها جزء من ثقافة مكرسة منذ القدم، والفرعيات هي صورة حية ومثل نابض لمثل هذه الثقافة.
فأبناء القبائل يرون بضرورة أن يكون لهم نصيب في لعبة المحاصصة هذه لذلك فاللجوء إلى القبيلة هو من أجل النفوذ والسيطرة وهو ترجمة لمقولة بدائية «إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب»، فالقبيلة بالنسبة لأبناء القبائل ـ وحتى العوائل ـ هي مصدر قوتهم، والفرعيات من هذه الزاوية هي لتنظيم الصفوف.
وهنا يجب التساؤل بجدية حول هيبة الدولة التي يبدو أنها تلاشت أمام هذه الثقافة الفئوية؟
أما الأمر الآخر فهو يرتبط بالدستور، فعلى الرغم من وضوح الدستور في تكريس مبدأ المساواة إلا أننا نرى القبلية تنمو أكثر فأكثر، ألم يقنن الدستور فكرة المواطنة والولاء بشكل صريح وواضح؟ ألسنا بحاجة إلى إعادة النظر في هذه المسألة.
لقد رأينا كلنا في انتخابات عام 2008 كيف هب أبناء القبائل «لفزعة» أبناء عمومتهم ضد مدرعات وزارة الداخلية.
ألا تحتاج تلك الحادثة وغيرها إلى وقفة جادة نعيد من خلالها صياغة مفهوم المواطنة بحيث لا تقوم على فكرة المحاصصة والتنفيع.
لو أصحبت الكويت دائرة واحدة فإنها حتى لو قضت على الفرعيات فإنها لن تقضي على ثقافة الفرعيات فهي أزمة ثقافة تحتاج لتوعية وعقول تنبه بمخاطرها، وهذا يستدعي منا، من جهة أخرى، الوقوف بجدية عند مسألة إعادة النظر في تنقيح «أو تعديل أو لنسمه ما شئنا» الدستور بحيث نقدم تصورا جوهريا للمواطنة يستطيع أن يذيب جميع الفوارق القبلية والعائلية والطائفية.
تصور يلغي مقولة «إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب».