أحمد العنزي
يستطيع الآن أي مواطن كويتي بل وحتى الوافد معرفة توجهات النشطاء السياسيين وخلفياتهم الثقافية والاجتماعية بمجرد انتقاء مواضيع معينة للتحدث عنها، أي أن القضايا التي تطرح في الكويت تكشف لنا عن تباين اجتماعي واقتصادي وسياسي معين، فعند طرح مشكلة الفرعيات مثلا فإنك لن تكلف نفسك العناء في تقسيمات أبناء جلدتنا إلى طوائف فيكفي أن تقول إن البدو هم من مؤيديها والحضر هم من معارضيها، وعلى هذا المنوال تستطيع أن ترسم جدولا صغيرا من خانتين فقط، وتضع على رأس الخانة الأولى كلمة «بدو» وعلى رأس الثانية كلمة «حضر» ثم تتفنن في جدولة جميع القضايا المطروحة بدون تكلف أو عناء، قد يسأل سائل ويقول أين موقع الكتل والأحزاب من هذا الجدول؟ وسنرد عليه باختصار ونقول إن الكويت قائمة في حقيقتها وبالأساس على مكونات اجتماعية وليست دينية أو سياسية وهذه حقيقة لا ينكرها أحد ويعرفها الجميع، وعلى الرغم من وجاهة هذا الاعتراض إلا أننا نستطيع أن نؤكد بلا مواربة أنه حتى الكتل والأحزاب قائمة على أسس اجتماعية قبلية أو عائلية وإلا ما الذي يفسر غياب البرامج الواضحة عن أجندتها السياسية، وما الذي يجعل تكتلا معينا يصف في خانة فئة دون أخرى عندما يكون إزاء اتخاذ قرار بصدد مشكلة مطروحة كإزالة الديوانيات مثلا، لدي اعتقاد راسخ بأن جميع مشاكلنا التي نواجهها في الشأن العام وفي الشأن الحكومي هي ذات أساس وبعد اجتماعي، فالمحاصصة أو التنفيع «لا فرق» نابعة من هذا الضغط الاجتماعي القبلي والعائلي والذي يخفي مبدأ خطيرا ولكن له مبرراته التاريخية ألا وهو الصراع بين الفئات والطبقات الاجتماعية للظفر بمقدرات ومناصب ومراكز الدولة، بالمعنى الماركسي لهذا المبدأ قد يكون هذا الحديث مجحفا ومتطرفا لدى البعض لكنة على الرغم من ذلك يعبر عن واقع ومعطيات تاريخية يجب أن نواجهها بجدية وجرأة، فالمشكلة الحقيقية هي أننا لم نواجه ذواتنا ولا يمكن أن نتصالح ونتفق على قضايانا ومشاكلنا التي عطلت وأخرت البلد إلا إذا تصالحنا مع أنفسنا قبل كل شي، وهذا لا يحدث إلا بمواجهتها، ومن باب هذه المواجهة يجب أن نعرف أن القبيلة هي مكون أصيل في النسيج الاجتماعي الكويتي وأن العوائل الحضرية هي أيضا رافد أصيل من روافد تركيبة هذا المجتمع وأن كل الفئات الاجتماعية يجب أن تبحث عن صيغه للخطاب بعيدة عن الحديث بلغة أنت من أي قبيلة أو عائلة، أو أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب، أو من صادها عشا عياله، لأن هذا النوع من الخطاب ومن الناحية العملية – وببساطة - لن يضيف شيئا على تغير أو عدم تغير المشاكل التي ستظهر الآن وفي المستقبل، فهذه القضايا تعبر عن تركيبة المجتمع بل هي ترجمة لها، وحلها لا يجب أن يكون من زاوية من أي خانة هي تلك المشاكل؟ بل يجب أن يكون من زاوية عملية، أي مواجهتها مواجهه موضوعية علمية وليس مواجهة تخفي أيديولوجيا اجتماعية تدخلنا في مزايدات لاتسمن ولا تغني من جوع.