أحمد العنزي
«نحو تأسيس دولة مدنية» يمكن أن يكون عنوانا آخر لورقة علمية حصلت عليها مؤخرا اعدها د.سعد بن طفلة العجمي تحت عنوان «نحو صياغة الخطاب المدني»، هذه المحاولة يوجهها كاتبها للشباب بالدرجة الأولى والذين يعقد عليهم آمال تصحيح المسار.
ولي ملاحظتان على هذه الورقة المنشورة في كتيب لا يتجاوز الـ 27 صفحة، اولاهما أنها أولا تعد تأريخا سياسيا لصاحبها ولعمل طال ربع قرن من الزمن وهي تأريخ على شكل ملاحظات نقدية للخطاب السياسي ونتيجة لتجربة غنية خاضها صاحبها، أما الملاحظه الثانية فتتمثل فيما تخفيه السطور وأكاد أقول ان ما خلف السطور هو أكثر من ظاهرها، وبلغة الفيلسوف ميشيل فوكو فان «المسكوت عنه» يسكن بقوة هذه المحاولة القيمة وهو متروك للقارئ الواعي لكي يبادر ويكتشفه بنفسه.
وصفت هذه الورقة منذ قراءتها للوهلة الأولى بالمحاولة الذكية لأنها بالفعل أتت في زمن وظروف يستدعيان مثل هذا الطرح الجاد، وهي ذكية أيضا لأنها ترسم ملامح طريق جديد لمعضلة قديمة.
فقد حدد د.سعد بن طفلة هدف محاولته العلمية بمحاولة تأسيس مفهوم الدولة المدنية، واستراتيجيته في تحقيق هذا الهدف هي تقويض كل المفاهيم التي عهدناها في خطابنا السياسي والثقافي، فأعاد النظر في مجموعة من المفاهيم كالإسلامي والديني والمدني ومعنى الاختلاط والتعليم المشترك ومعظم المفاهيم التي استهلكناها في خطابنا دون عناء النقد والتساؤل عن صحتها.
والسؤال الذي أود طرحه على نفسي وعلى القارئ أيضا هو: هل هناك بالفعل ما يسمى بالخطاب الثقافي والسياسي الرسمي؟ وهل هذا الخطاب قائم على أسس عقلانية؟ وهل يمكننا إعادة النظر فيما نتداوله في لغتنا الثقافية والسياسية من مفاهيم؟ بل أريد أن أذهب لأبعد من ذلك، وأتساءل: هل يمكننا أن نمارس التفكير من الخارج (أي خارج هذا الخطاب)؟ بمعنى هل نستطيع أن نقول ما لم نعهده من قبل بحيث نفكر بطريقة مختلفة ومبتكرة؟ أنا على يقين تام بأن مثل هذه الأسئلة الفلسفية لا يمكن تغطيتها بمقال لكن على الرغم من ذلك أجد في نفسي قناعة بأن الخروج من حلقة التخلف والركود التي ندور في داخلها يحتاج فعلا لمثل هذه الوقفة التي تعيدنا حتى لأبجديات التفكير وتقويم كل ما هو خاطئ.
أتذكر جيدا برنامجا تلفزيونيا تعليميا يظهر اسمه «أبجدهوز» لتعليم الصغار أبجديات القراءة وتركيب الجمل، ولا أجد غضاضة في القول اننا نحن الكبار نحتاج لمثل هذا النهج.
لو تأملنا الخطاب السياسي مثلا لوجدنا أن جميع السياسيين يتحدثون عن نفس القضايا ويستخدمون ذات اللغة السياسية ويتصرفون انطلاقا من معايير راسخة في الخطاب السياسي بل يعالجون قضاياهم بنفس الطريقة وإن أخذت أشكالا مختلفة ومتوارية؟ إن هذه اللغة والاستخدام المشترك يأتي بناء على تواطؤ واتفاق الجميع على ثقافة حددت سلفا بحيث لا يستطيع أحد أن يتحدث بلغته الخاصة وعقله الخاص لهذا ابتكرنا المثل القائل عن هذا النوع من الناس «يغني خارج السرب» وهو مثل ينطوي بلا شك على إقصاء وعدم الاستماع للصوت والرأي المختلف.
إن إقصاء الصوت المختلف الذي سميناه اعتباطا «نشازا» هو في حقيقته احتمال ممكن لرسم خارطة للذهن والتفكير تحمل تصورات قد تخرجنا من مأزق هو في حقيقته – وببساطة – مأزق لغوي مليء بالحيل والكمائن والتحايل على قضايا لا يفترض أن تطرح بالطريقة المطروحة بها الآن.
المهمة في تصوري تقع على عاتق المثقف والقارئ الواعي المتيقظ الذي يجب أن يتساءل عن الأسس التي قام عليها خطابنا ويحاول أن يكتشف ان مفاهيم كثيرة نتداولها ونستخدمها هي مفاهيم خاطئة من الأساس ـ على الأقل ـ أو يمكن أن ننظر إليها من زاوية أخرى مختلفة اختلافا جذريا عما نعرفه.
هذا القارئ سيعرف حينها أن «أبجدهوز» هي ترتيب مختلف لحروف الهجاء؟